للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَبَا عَبْدِ اللَهِ يَقُولُ: إِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ عَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ لم نَأْخُذ فِيهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا بِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ عَن أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ مُخْتَلَفٌ نَتَخَيَّرُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ وَلَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَدِيثٌ وَلَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَتَخَيَّرُ مِنْ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ الحَدِيثُ عَنْ النَّبِي - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَنَأْخُذُ بِهِ إِذَا لَمْ يَجِيءَ خِلاَفُهُ. قَالَ: وَرُبَّمَا أَخَذْنَا بِالحَدِيثِ المُرْسَلِ إِذَا لَمْ يَجِيءَ خِلاَفُهُ» (١).

وقد فرق أحمد بين التقليد والاتباع، وجعل أقوال الصحابة والتابعين من الاتباع. فقد روى أبو داود أنه سمع أحمد يقول: «الاتِّبَاعُ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ هُوَ مِنْ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ» (٢).

والتخيير هنا معناه رفع اللوم عمن لا يقول بقول التابعين، وإن قال بقولهم فهو متبع لا مقلد.

وقد ذكر الأستاذ الشيخ أبو زهرة في كتابه عن " ابن حنبل " «أَنَّ هُنَاكَ رِوَايَتَيْنِ فِي أَخْذِهِ بِفَتَاوَى التَّابِعِينَ، وَإِنَّ مَنْ يَقُولُونَ بِالأَخْذِ بِهَا مِنَ الحَنَابِلَةِ يَخْتَلِفُونَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى القِيَاسِ أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ، ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ يَأْخُذُ بِهَا لِمَا اشْتَهَرَ عَنْهُ مِنَ التَّوَرُّعِ عَنْ الرَّأْيِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الحِيطَةِ» (٣).

وقد رأينا البخاري يكثر من ذكر آراء الصحابة والتابعين يدعم بها


(١) " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ": ص ٢٦.
(٢) " إعلام الموقعين " مع " حادي الأرواح ": ٢/ ٣٠٢.
(٣) " ابن حنبل "، لأبي زهرة: ص ٢٥٧، ٢٥٨.

<<  <   >  >>