للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «الوِتْرُ كَصَلاَةِ المَغْرِبِ». وعلق ابن حزم على ذلك بقوله: «قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ نَقُولُ بِهِ، إِذْ لَا حُجَّةَ إلاَّ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ أَوْ عَمَلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ فَقَطْ» (١).

وحتى في التقديرات التي يقدرها الصحابة، والتي رأى بعض العلماء وجوب اتباع الصحابة فيها، لأنها لا تقال بالرأي، لم ير ابن حزم أنها حجة، ولم يجد فيها ما يمنعه من الاجتهاد ومخالفة أقوال الصحابة، يتضح ذلك في كفارة اليمين، فقد ذهب ابن حزم إلى أن من أراد التكفير بالإطعام فلا يجزئه إلا إطعام عشرة مساكين، أما المقدار فهو مثل ما يطعم الإنسان أهله: إن كان دقيقًا، فليعط المساكين دقيقًا، أو حَبًّا أو خبزًا كذلك، يعطي من الصفة والكيل الوسط، لا الأعلى ولا الأدنى.

ثم ذكر ما جاء من الاختلاف في ذلك: «فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ اليَمِينِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ [حِنْطَةٍ]، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. [وَرُوِّينَا] عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ ...» الخ الآراء التي ذكرها، ثم عقب عليها بقوله: «هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لاَ حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ» (٢).

أما موقف (٣) باقي المذاهب في الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين، فنجملها فيما يلي: إذا قال الصحابي قولاً، ولم يعلم له مخالف: فإن كان هذا القول مشهورًا في عصر الصحابة، فالذي عليه جماهير الفقهاء أنه إجماع


(١) " المحلى ": ٣/ ٤٦، وانظر مثله أيضًا في: ٣/ ٥٠، ١٦٠، ٢٢١.
(٢) " المحلى ": ٨/ ٧٢، ٧٤.
(٣) من " إعلام الموقعين " بتصرف: ٣/ [٣٧٨]، ٣٨١.

<<  <   >  >>