للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع. وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعًا ولا حجة.

وإن لم يشتهر قول الصحابي فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة: هذا هو قول أبي حنيفة وجمهور الحنفية (١)، وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في " موطئه " يدل عليه (٢). وهو قول إسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وهو منصوص أحمد في غير موضع عنه، واختيار جمهور أصحابه.

وهو منصوص الشافعي في القديم والحديث: أما القديم فأصحابه مقرون به، وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه أنه ليس بحجة، وفي هذه الحكاية نظر ظاهر جدًا (٣).

وقد ذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة،


(١) لا خلاف بين الأحناف، متقدميهم ومتأخريهم، في اعتبار قول الصاحب حجة فيما لا مدخل للرأي فيه، نحو المقادير، أما ما عدا ذلك من قول الصحابي فقد ذكر بعض الأصوليين أن أئمة الأحناف اختلف عملهم في هذه المسألة، فتارة يقلدون، وتارة لا يقلدون، لكن ابن عبد الشكور وابن القيم نَقَلاَ نَصَّ أبي حنيفة في اعتباره أقوال الصحابة، أما عمله في بعض المسائل على خلاف قول الصحابي، فلعله عنده دليل معارض (انظر " أصول السرخسي ": ٢/ ١٠٥، ١١٢؛ و" مسلم الثبوت " و" شرحه ": ٢/ ١٨٨؛ و" التقرير والتحبير ": ٢/ ٣١٠؛ و" إعلام الموقعين ": ٣/ ٣٨١.
ومما يدل على أخذ أبي يوسف بقول الصحابي ما جاء في كتابه " الخراج " حيث قال: «وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولانِ: لَيْسَ [فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ]- فيما يخرج من البحر حليه وعنبر - لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ.
وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَرَى فِي ذَلِكَ الخُمُسَ [وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَخْرَجَهُ]؛ لأَنَّا قَدْ رُوِّينَا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ [عَبْدُ اللَّهِ] بْنُ عَبَّاسٍ فَاتَّبَعْنَا الأَثَرَ وَلَمْ نَرَ [خِلافَهُ]» (" الخراج ": ص ٨٣. المطبعة السلفية، ١٣٤٦ هـ).
(٢) انظر " مالك "، لأبي زهرة: ص ٣٠٨، ٣١٨. الطبعة الثانية.
(٣) ذكر ذلك ابن القيم، وأثبته بالأدلة في " إعلام الموقعين ": ٣/ ٣٧٩، ٣٨١؛ وانظر " الشافعي "، لأبي زهرة: ص ٣٠١، ٣١١.

<<  <   >  >>