للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي شيبة. وقد اتجهت هذه المجموعة إلى ذكر أحكام العبادات مباشرة، فبدأت بالطهارة، ثم الصلاة، ثم غيرها من العبادات، على خلاف بينهم في ترتيب العبادات بعد الصلاة.

وقد يقال في سبب هذا البدء عند هذه المجموعة: إن أول ما يطالب به الإنسان المسلم هو الصلاة، وهي لا تقبل إلا بشرط الطهارة.

أما المجموعة الثانية: وتتكون من البخاري، ومسلم، وابن ماجه، والدارمي. فقد اشتركت في أنها قدمت على أبواب الطهارة والعبادات أبوابًا أخرى، ثم اختلفت في موضوعات هذه الأبواب المقدمة على العبادات:

فالبخاري بدأ كتابه بباب بدء الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم. وقد يكون ملحظ البخاري في ذلك أن أول ما يطالب به الإنسان هو الإيمان، وعن الإيمان تصدر بقية الأعمال، والإيمان أمر نفسي مستكن في القلب، لا يكفي في إثباته إعلانه باللسان، فيجب أن يتوفر فيه عنصر الإخلاص، لهذا بدأ البخاري كتابه بحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وأول شيء يجب الإيمان به هو الوحي، لأن جميع متطلبات الإيمان مما سيذكره في " صحيحه " متوقف على كون مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا موحى إليه، فإذا استقر ذلك، وجب على الإنسان أن يتعلم الشرائع، حتى يكون متمثلاً لربه، متصفًا بالإيمان، وأول ما يجب أن يتعلمه حينئذٍ هو الطهارة ثم الصلاة، ثم تأتي بعد ذلك بقية الأحكام والفضائل.

وقد يكون بدؤه بالوحي إشارة منه إلى أن الحديث النبوي الذي هو موضوع كتابه من قبيل الوحي، فله من الطاعة والامتثال بالقرآن، حيث أن مصدرهما واحد، وهو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (١).


(١) لسراج الدين عمر البلقيني (ت ٨٠٥ هـ) كتاب سماه: " مناسبات تراجم البخاري " مخطوط، بدار الكتب المصرية تحت رقم (٥٩٠ حديث تيمورية). ومن قوله فيه في ص =

<<  <   >  >>