للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قدم مسلم أبواب الإيمان وأركان الإسلام، وبعض العقائد، كأحاديث الرؤية والشفاعة، قبل أن يأتي بأبواب الطهارة والعبادات.

أما ابن ماجه والدارمي، فمنهجهما متشابه، من حيث أنهما قدما على العبادات أبوابًا في اتباع السنة، وهي أشبه ما تكون بمقدمة تشرح سبب التأليف في الحديث، وتبين فضل الاشتغال به، وترد على أعداء أهل السنة والمحدثين، من المعتزلة وغيرهم.

فقد بدأ ابن ماجه كتابه بأبواب في اتباع سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتعظيم حديثه، والتغليظ على من عارضه، وعلى من تعمد الكذب فيه، ثم اتباع سنة الخلفاء الراشدين، واجتناب البدع والجدل، والرأي والقياس، ثم الإيمان والقدر، وفضائل الصحابة، وذكر الخوارج والجهمية والرد عليهم، بذكره طرفًا من أحاديث الصفات ورؤية الله في الآخرة، ثم ذكر أبوابًا في العلم، بدأها بفضل تعلم القرآن. وعقب ذلك شرع في ذكر الطهارة والعبادات.

وقد صنع الدارمي قريبًا من ذلك، وهو في الموضوعات التي سبقت أبواب العبادات. يروى الحديث وغيره من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم. بل يروي بعض ما في كتب النصارى وغيرهم: كقوله: «أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيُّ (*)، قَالَ: " قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا، وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ "» (١).

وكما روى بسنده عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ كَانَ يَقُولُ لابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ العِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ...» (٢).


= ١٥ (ولما تمت المعاملات الثلاث: وهو معاملة الخالق، ومعاملة الخلق ومعاملة الخالق لإعلاء كلمته، وفيه نوع من الاكتساب - وهي الجهاد وما ذكر فيه ... وكان هذا كله من الوحي المترجم عليه (بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْيِ)، وكان للخلق مبدأ كما كان للوحي مبدأ فترجم بعد هذا كله (كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ ...).
(١) و (٢) " سنن الدارمي ": ١٠٣، ١٠٥، وانظر أيضًا ١٠٦.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) ورد في الكتاب المطبوع ["الاتجاهات الفقهية "] (وعن هشام صاحب الاستواء) وهو خطأ والصواب ما أثبته (الدَّسْتُوَائِيُّ).
قال الإمام الذهبي: هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَبُو بَكْرٍ بنُ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ، هُوَ الحَافِظُ، الحُجَّةُ، الإِمَامُ، الصَّادِقُ، أَبُو بَكْرٍ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ سَنْبَرٍ البَصْرِيُّ، الرَّبَعِيُّ مَوْلاَهُم. صَاحِبُ الثِّيَابِ الدَّسْتُوَائِيَّةِ، كَانَ يَتَّجِرُ فِي القِمَاشِ الَّذِي يُجْلَبُ مِنْ دَسْتُوَا. وَلِذَا قِيْلَ لَهُ: صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَدَسْتُوَا: بُلَيْدَةٌ مِنْ أَعْمَالِ الأَهْوَازِ ...
انظر: " سير أعلام النبلاء " للذهبي، تحقيق الشيخ شُعَيْب الأرناؤوط: ٧/ ١٤٩، الطبعة: الثالثة، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م، نشر مؤسسة الرسالة.

<<  <   >  >>