للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين تابعي العراق وتابعي الحجاز في الأخذ بالسنة، وفي التلقي عن الصحابة الذين يعتبرهم المدنيون أساسًا لمدرستهم - قد فطن إليهم ابن حزم، وهاله اعتزاز أهل المدينة بأنفسهم وزعمهم أنهم أهل السنة حتى جعلوا من أصولهم عرض الحديث على عمل أهل المدينة وتعليله إذا كان عملهم على خلافه، فنقدهم ابن حزم في هذا نقدًا مُرًّا، وهاجمهم هجومًا عنيفا، وفي مناقشته لهم ذكر أن عمر بن الخطاب مَصَرَ البصرة والكوفة ومصر والشام وأسكنها المسلمين، وولى عليهم الصحابة، أفترى عمر وعثمان وعليًا وعمالهم المذكورين كتموا رعيتهم من أهل هذه الأمصار دين الله تعالى والحكم في الإسلام والعمل بشرائعه؟ ما يفعل هذا مسلم، بل الذي لا شك فيه أنهم كلهم علموا رعيتهم كل ما يلزمهم كأهل المدينة ولا فرق. ثم سكن عَلِيٌّ الكوفة، أَفَتَرَاهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كتم أهلها شرائع الإسلام وواجبات الأحكام؟ والله ما يظن هذا مسلم ولا ذمي مميز بالسير. فإذ لا شك في هذا، فما بالمدينة سنة إلا وهي في سائر الأمصار كلها ولا فرق.

«وَأَمَّا مُذْ مَضَى هَذَا الصَّدْرُ الكَرِيمُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَوَاللَّهِ مَا وَلِيَ المَدِينَةَ وَلَا حَكَمَ فِيهَا إِلَّا فُسَّاقُ النَّاسِ، كَعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَالحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، وَطَارِقٍ وَخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ القَسْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّحَّاكِ، وَعُثْمَانِ بْنِ حَيَّانَ المُرِّيِّ، وَكُلٌّ عَدُوٌّ [لِلَّهِ]، [حَاشَى] أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ فَإِنَّهُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَاضِلاً» (١).

وفي إثبات أخذ تابعي الكوفة عن الصحابة بالمدينة يقول: «وَرَحَلَ عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ إِلَى عَائِشَةَ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَرَحَلَ عَلْقَمَةُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ» (٢).


(١) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم: ٢/ ١١٥، ١١٦.
(٢) " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم: ٢/ ١٣٠.

<<  <   >  >>