للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مناقشة حُجِيَّة إِجْمَاعِ أَهْلِ المَدِينَةِ يُبيِّنُ أنهم أترك الناس لأقوال أهل المدينة كعمر وابنه وعائشة ثم سعيد بن المسيب والقاسم وغيرهم وأنهم في الحقيقة مُقَلِّدُونَ لِمَالِكٍ فَقَطْ ويأخذون برأي ابن القاسم المصري وسحنون الإفريقي، لأن القاسم أخذ عن مالك، ولأن سحنون أخذ عن ابن القاسم عن مالك «وَلَا يَرَوْنَ لِأَخْذِ مَسْرُوقٍ وَالأَسْوَدَ وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَجْهًا وَلَا مَعْنَى» (١).

وفي بيانه للتأثير والتأثر المتبادلين بين المدينة وغيرها يقول:

«وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ بَقِيَ بِالمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، كَانُوا يُجَاهِدُونَ وَيَحُجُّونَ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ المَدِينَةِ مِنْهُمْ كَانُوا يَفِدُونَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَقَدْ وَجَبَ التَّدَاخُلُ بَيْنَهُمْ وَهَكَذَا صَحَّتْ الآثَارُ بِنَقْلِ التَّابِعِينَ مِنْ سَائِرِ الأَمْصَارِ عَنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَبِنَقْلِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ، فَقَدْ صَحِبَ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَاخْتَصُّوا بِهِمْ، وَأَكْثَرُوا الأَخْذَ عَنْهُمْ» (٢).

بل لم يقتصر ابن حزم على إثبات التساوي بين تابعي المدينة وتابعي العراق بل إنه يفضل تابعي العراق وغيرهم على تابعي المدينة، ففي معرض كلامه عن الأذان والإقامة واختلاف الطرق ما بين التثنية والإفراد فيها، يَرُدُّ ابن حزم على المالكيين في زعمهم أن مذاهب أهل الكوفة ومكة قد غُيِّرَ فِيهَا بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ. قال: «فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَكِنْ غَيّرَ مَنْ بَعْدُهُمْ، قُلْنَا: إِنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالكُوفَةَ فَهُوَ عَلَى التَّابِعِينَ بِالمَدِينَةِ أَجْوَزُ، فَمَنْ كَانَ بِالمَدِينَةِ فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَسُوَيْدَ بْنَ غَفْلَةٍ، وَالرُّحَيْلَ، وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ، وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ


(١) " الإحكام ": ٤/ ٢٠٦.
(٢) " الإحكام ": ٤/ ٢١.

<<  <   >  >>