للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المؤمنين لا كلهم، وليس إجماع بعض المؤمنين، إنما الإجماع إجماع جميعهم، وقد كان الصحابة عددًا محصورًا يمكن أن يحاط بهم وتعرف أقوالهم، وليس من بعدهم كذلك (١).

وقد ذهب ابن حزم أيضًا إلى أن الإجماع هو إجماع الصحابة، وقسمه إلى قسمين:

- أولهما: كل ما لا يشك أحد من المسلمين في أن من لم يقل به فليس مسلمًا، كالنطق بالشهادتين، وكوجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وتحريم الميتة والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة.

- ثانيهما: شيء شهده جميع الصحابة من فعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه منهم، كَفِعْلِهِ فِي خَيْبَرَ، إِذْ أَعْطَاهَا اليَهُودَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، يخرجهم المسلمون إذا شاءوا. ومخالفة هذا القسم الأخير، لا تؤدي إلى الكفر، إذا كانت المخالفة نتيجة الخطأ في الاجتهاد (٢).

ويقول ابن حزم: «وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا، وَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا مَا لَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ: كَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَالحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ» (٣).

وإذا قارنا مذهب الظاهرية في الإجماع، وبخاصة هذه العبارة الأخيرة لابن حزم، بما أثر عن الشافعي وأحمد من رأيهما في الإجماع - أدركنا تشابهًا كبيرًا في الفكرة، يوحي بتأثيرهما في أهل الظاهر.


(١) " الإحكام "، لابن حزم: ٤/ ١٤٧.
(٢) " الإحكام "، لابن حزم: ٤/ ١٤٩، ١٥٠؛ وانظر " النبذ " له: ص ٨، ١٧؛ و" رسالته في مسائل الأصول ": ص ٢٣، ٣٣.
(٣) " المحلى ": ٧/ ٣٢.

<<  <   >  >>