للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالشافعي - مع قوله بحجية الإجماع واستدلاله له - يقول: «لَسْتُ أَقُولُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ، إِلَّا لَمَّا لَا تَلْقَى عَالِمًا أَبَدًا إِلَّا قَالَهُ لَكَ، وَحَكَاهُ عَمَّنْ قَبْلَهُ، كَالظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَكَتَحْرِيمِ الخَمْرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا» (١).

وأحمد بن حنبل يقول: «مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا» (٢).

ومما يدل على أن موقف الظاهرية من الإجماع متأثر كذلك بحملة خصومهم عليهم - أنهم مع تسليمهم بحجية الإجماع يختلفون مع الجمهور في موضعين: أحدهما أن الإجماع لا بد من استناده إلى نص. وثانيهما: كما يقول ابن حزم: «دَعْوَاهُمْ - أَيْ غَيْرَ الظَّاهِرِيَّةِ - الإِجْمَاعُ فِي مَوَاضِعَ ادَّعُوا فِيهَا البَاطِلَ بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ بِلَا بُرْهَانٍ: أَمَّا فِي مَكَانٍ قَدْ صَحَّ فِيهِ الاِخْتِلَافُ مَوْجُودًا وَإِمَّا فِي مَكَانٍ لَا نَعْلَمُ نَحْنُ فِيهِ اِخْتِلَافًا إِلَّا أَنَّ وُجُودَ الاِخْتِلَافِ فِيهِ مُمْكِنٌ» (٣).

هذه ملامح من فكرة الظاهرية عن الإجماع، وهي في جوهرها تؤكد أن الإجماع عندهم لا يخرج عن أن يكون نصوصًا مجمعًا عليها.

الدَّلِيلُ:

بعد أن عرضنا لمفهوم النصوص والإجماع عند الظاهرية، ننتقل


(١) " أصول التشريع "، للأستاذ علي حسب الله: ص ١٠٢. وانظر " الشافعي "، للأستاذ أبي زهرة: ص ٢٥١، ٢٦٢.
(٢) " أصول التشريع "، للأستاذ علي حسب الله: ص ٩٧؛ وانظر " ابن حنبل "، للأستاذ أبي زهرة: ص ٢٥٩، ٢٦٩.
(٣) " الإحكام ": ٤/ ١٣١.

<<  <   >  >>