للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآن إلى الأصل الأخير من الأصول التي ذكرها ابن حزم فيما نقلناه عنه في بداية حديثنا عن أصول أهل الظاهر، وهذا الأصل هو الدليل.

ويذكر ابن عبد البر أن داود بن علي ومن قال بقوله قد نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعًا، ولكنهم أثبتوا الدليل والاستدلال في الأحكام.

ثم بَيَّنَ أن الدليل عند داود ومن تابعه، نحو قول الله - جَلَّ وَعَزَّ -: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]، لو قال قائل: فيه دليل على رد شهادة الفساق كان مستدلا مصيبًا. ونحو قول الله - عَزَّ وَجَلَّ - {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: ٦] كان فيه دليل على قبول خبر العدل. ونحو قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩]، دليل على أن كل مانع من السعي إلى الجمعة فتركه واجب، لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن جميع أضداده.

ثم ذكر ابن عبد البر أن العلماء قد اختلفوا في هذا الاستدلال على وجهين:

أولهما - أنه نوع من أنواع القياس فيدخله ما يدخل القياس من العلل.

وثانيهما - أنه هو النص بعينه وفحوى خطابه.

ثم رجح أنه غير قياس، فقال: «القِيَاسُ الذِي لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ قِيَاسٌ هُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ إِذَا أَشْبَهَهُ، وَالحُكْمُ لِلنَّظِيرِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَالْحُكْمُ لِلْفَرْعِ بِحُكْمِ أَصْلِهِ إِذَا قَامَتْ فِيهِ العِلَّةُ التِي مِنْ أَجْلِهَا وَقَعَ الحُكْمُ» (١).

والأمثلة التي ذكرها ابن عبد البر ليوضح بها معنى الدليل، فيها ما يوهم أن الظاهرية يقولون بمفهوم المخالفة إذا كان الدليل على قبول خبر الواحد العدل مقصورًا عندهم على قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: ٦]، فقط مع ما قد ذكرناه عنهم من رفضهم هذا المفهوم، إذ هو غير منصوص.


(١) انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ٧٤، ٧٨.

<<  <   >  >>