للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روى الدارمي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: «هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ»، فَقِيلَ لأَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيَّ: «مَا تَقُولُ فِي الضَّبُعِ تَأْكُلُهُ؟» قَالَ: «أَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ» (١).

وقد تجلت هذه الظاهرة في [أوضح] صورة فيما أثر عن الإمام أحمد من فتاوى بسبب مكانته العلمية والأدبية التي سبق الكلام عنها، والتي جعلته مقصدًا للمفسدين ثم أعانت على حفظ فتاويه.

لقد كان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يحجم عن الإفتاء في كثير من الحالات، وقد ذكرنا أنه استعفى من الإفتاء في الذهب والفضة، إذا كان كل منهما على الانفراد لا يبلغ نصاب الزكاة، ولكن مجموعها مقدرًا بقيمة أحدهما يبلغ النصاب، فمن يملك عشرة دنانير ومائة درهم، هل يزكى عنها؟ قد توقف أحمد عن الإجابة في هذه المسألة، وغضب عندما ألح السائل عليه وقال: «أَيُّ شَيْءٍ بُدٌ، إِذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا [يُحْمَلُ] عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ» (٢).

ومن أمثلة توقفه أيضًا ما روي عنه فيمن لا يجد الماء إلا بثمن، فإن كان هذا الثمن ثمن المثل لزمه الشراء، وإن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه، وإن كانت يسيرة لا تجحف بماله فقد توقف أحمد في هذه المسألة (٣).

وكذلك توقف أحمد فيمن نسي في رحله أو في موضع يمكنه استعماله ثم صلى بالتيمم (٤).


(١) " سنن الدارمي ": ٢/ ٧٤، ٧٥. وقد ذهب أحمد وإسحاق إلى أن الضبع صيد، ولا بأس بأكله. (انظر " مسائل أحمد وإسحاق ": ٢/ ٢١، ٢٢. ٢٨٣٥).
(٢) انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ٢١.
(٣) و (٤) " المغني "، لابن قدامة: ١/ ٢٤٠، ٢٤٢.

<<  <   >  >>