للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بني الإنسان، وتنبيهًا لكل فرد من أفراد هذا الإنسان أن يصلح من سريرته، وأن يقوم مكنونه، ليتم التوافق بين سره وعلانيته، فإن سره ومكنونه، وإن خفي على الناس، لا يخفى على علم الله الشامل، فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى. ثم لم يكتف البخاري بأن بدأ كتابه بهذا الحديث، بل كرره في ستة مواضع أخرى (١).

ولعل البخاري متأثر في بدايته هذه بشيخه عبد الرحمن بن مهدي الذي قال عن حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»: «لَوْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي الأَبْوَابِ، لَجَعَلْتُ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ فِي كُلِّ بَابٍ»، وقال أيضًا: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ» (٢).

هذا موجز لبيان كيفية تأثر المحدثين بالاتجاه الخلقي الديني، في تصورهم للموضوعات الفقهية، وفي ترتيبهم لها وعدم قصرها على الأحكام العملية ويبقى علينا أن نوضح كيف تأثر المحدثون بهذا الاتجاه نفسه عند علاجهم لكل موضوع على حدة. ولبيان هذا التأثر، عرضنا لموضوعين من فقه المحدثين في الأحكام العملية هما الزكاة والبيوع، ليكونا أنموذجًا أو مثالاً يوضح طريقتهم في علاجهم لبقية الموضوعات:

ففي موضوع الزكاة، لا يقتصر المحدثون على بيان وجوبها، وأن


(١) انظر " دراسات في السنة "، لأستاذنا الدكتور مصطفى زيد: ص ٦٨. والمواضع في السنة هي:
١ - كِتَابُ الإِيمَانِ - بكسر الهمزة - بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ [بِالنَّيَّةِ وَالحِسْبَةِ ...].
٢ - كِتَابُ العِتْقِ - بَابُ الخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ [فِي العَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ].
٣ - كِتَابُ مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ - بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى المَدِينَةِ.
٤ - كِتَابُ النِّكَاحِ - بَابُ مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا [لِتَزْوِيجِ] امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى.
٥ - كِتَابُ الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ - بَابُ النِّيَّةِ فِي الأَيْمَانِ - بفتح الهمزة -.
٦ - كِتَابُ الحِيَلِ - بَابٌ فِي تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى [فِي] الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا.
(٢) " جامع العلوم والحكم ": ص ٥.

<<  <   >  >>