للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما من حيث الباعث على العمل، فقد اهتم المحدثون بالنيات والمقاصد اهتمامًا كبيرًا. ولا أدل على ذلك من بدء البخاري " صحيحه " بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». بل يصرح البخاري بأن النية مؤثرة في الحكم على الفعل، سواء أكان عقدًا أم تصرفًا لفظيًا، وذلك حيث يقول في كتاب الحيل: (بَابٌ فِي تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا).

قَالَ ابْنُ المُنَيِّرِ في تعليقه على هذه الترجمة: «اتَّسَعَ البُخَارِيُّ فِي الاِسْتِنْبَاطِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ النُّظَّارِ حَمْلُ الحَدِيثِ عَلَى العِبَادَاتِ، فَحَمَلَهُ البُخَارِيُّ عَلَيْهَا وَعَلَى المُعَامَلاَتِ، وَتَبِعَ مَالِكًا فِي القَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِ المَقَاصِدِ. فَلَوْ فَسَدَ اللَّفْظُ وَصَحَّ القَصْدُ، أُلْغِيَ اللَّفْظُ وَأُعْمِلَ القَصْدُ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالاً» (١).

ومن الفروع التي يظهر فيها أثر القصد واعتباره عند البخاري مسائل الطلاق، مثل كنايات الطلاق، التي يقول فيها: (باب إذا قال فارقتك، أو سرحتك، أو الخلية، أو البرة أو ما عنى به الطلاق - فهو على نيته) (٢).

وكما اعتبرت النية في كنايات الطلاق، فإنها تعتبر أيضاً في الألفاظ الصريحة للطلاق

، حيث لا يقع الطلاق إذا نطق بصريح لفظه إلا إذا توفر القصد والنية إلى إيقاعه. وكذلك لو نطق بلفظ الظهار الصريح، دون أن يقصد حقيقة الظهار فلا شيء عليه، ولا يعتبر ظهارًا.

وفي ذلك يقول البخاري: (بَابُ إِذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ


(١) " فتح الباري ": ١٢/ ٢٩٠، ولم يرو البخاري في هذا الباب شيئًا من الحديث.
(٢) " البخاري بحاشية السندي ": ٣/ ٢٧٠.

<<  <   >  >>