للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- القسم الثاني: ما يظهر بأن المتكلم لم يرد معناه، وقد ينتهي هذا الظهور إلى حد اليقين وهو نوعان:

[أ] ألا يكون مريدًا لمقتضاه ولا لغيره.

[ب] أن يكون مريدًا لمعنى يخالفه: فالأول كالمكره والنائم والمجنون والسكران ومن اشتد به الغضب، والثاني كالمعرض والموري والملغز والمتأول.

- القسم الثالث: ما هو ظاهر في معناه، ويحتمل إرادة المتكلم له، ويحتمل إرادته لغيره، ولا دلالة على واحد من الأمرين، واللفظ دال على المعنى الموضوع له، وقد أتى به اختيارًا.

والقسمان الأولان لا نزاع فيهما: فإذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام، أو لم يظهر قصد يخالف كلامه - وجب حمل كلامه على ظاهره. ثم ذكر ابن القيم أن الدلالة التي ذكرها الشافعي في عدم اعتبار القصود، إنما تدل على هذا القسم الأول.

وينبغي صرف كلام المتكلمين عن ظاهره إذا دل على ذلك دليل، وهو القسم الثاني، كالتعريض، والتورية. وهذا أيضًا لا نزاع فيه.

وإنما النزاع في الحمل على الظاهر والحكم بناء عليه، بعد ظهور مراد المتكلم والفاعل بخلاف ما أظهره. فهذا هو الذي وقع فيه النزاع، وهو: هل يعتبر بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها.

أم للقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها؟.

ثم اختار ابن القيم الرأي الثاني فقال: «وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ عَلَى أَنَّ القُصُودَ فِي العُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ العَقْدِ وَفَسَادِهِ، وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ. بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ [فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ]، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الفِعْلِ الذِي لَيْسَ بِعَقْدٍ تَحْلِيلاً وَتَحْرِيمًا فَيَصِيرُ حَلاَلاً تَارَةً وَحَرَامًا تَارَةً بِاخْتِلاَفِ النِّيَّةِ [وَالقَصْدِ]، كَمَا يَصِيرُ صَحِيحًا تَارَةً وَفَاسِدًا تَارَةً بِاخْتِلاَفِهَا» (١).


(١) انظر " إعلام الموقعين ": ٣/ ٩٩، ١٠٣.

<<  <   >  >>