للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استند الكارهون له إلى قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (١) كما استدلوا بما رواه " مسلم " عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». قال كثير من العلماء: المراد بقوله: «وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» التَّكْثِيرُ مِنَ السُّؤَالِ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ تَنَطُّعًا وَتَكَلُّفًا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ (٢). كما استدلوا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الله فَرَضَ أَشْيَاءَ فَلاَ تُضَيِعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا». رواه أحمد وغيره (٣).

وقوى من كراهية فرض المسائل في نفوس هؤلاء العلماء عبارات لبعض السلف رويت عنهم في كراهة السؤال عما لم يكن؛ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنُ عُمَرَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ» (٤).

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ -، «كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قَدْ كَانَ، حَدَّثَ فِيهِ بِالذِي يَعْلَمُ


(١) [المائدة: ١٠١]. وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ " البُخَارِيُّ " وَ " مُسْلِمُ " عَنْ أَنَسٍ مِنْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»، أَوْ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ السُّؤَالِ عَنِ الَحجِّ: أَفِي كُلِّ عَامٍ هُوَ؟ فَقَالَ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ». أَوْ سَأَلُوا عَنْ أُمُورِ الجَاهِلِيَّةِ التِي عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، أَوْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ سَأَلُوا عَنْ البَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَعَقَّبَ القُرْطُبِيُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ: «وَفِي الصَّحِيحِ وَالمُسْنَدِ كِفَايَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ»، انظر " تفسير القرطبي ": ٦/ ٣٣٠.
(٢) " تفسير القرطبي ": ٦/ ٣٣٢.
(٣) " الفكر السامي ": ٢/ ١٢٨.
(٤) " سنن الدارمي ": ١/ ٥١.

<<  <   >  >>