للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالذِي يَرَى، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ، قَالَ: " فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ "» (١)، وَسُئِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: «هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: دَعُونَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ، تَجَشَّمْنَاهَا لَكُمْ» (٢).

«وَسُئِلَ طَاوُوسُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: " كَانَ هَذَا؟ "، قُلْتُ: " نَعَمْ "، قَالَ: " آللَّهِ ". قُلْتُ: " آللَّهِ "». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعْجَلُوا بِالبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، لَمْ يَنْفَكَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا سُئِلَ، سُدِّدَ، وَإِذَا قَالَ، وُفِّقَ "» (٣).

أما من يرون جواز تقدير المسائل، والبحث عن أحكامها فقد استدلوا بحديث الصحيح عن المقداد بن الأسود: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ. أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقْتُلْهُ» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التِي قَالَ». ففي الحديث لم ينهه عن فرض مسألة، بل أجابه وبَيَّنَ لَهُ الحُكْمَ، فدل على الجواز (٤).

وأجابوا عن آية {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١]: بأنَّ هناك شرطًا {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فمفهومه: إن لم تكن مساءة في إبدائها فلا نهي، يقول ابن العربي: «اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الغَافِلِينَ تَحْرِيمَ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ حَتَّى تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الآيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُصَرِّحَةٌ


(١) " سنن الدارمي ": ١/ ٥١.
(٢) " سنن الدارمي ": ١/ ٥١.
(٣) " سنن الدارمي ": ١/ ٤٩.
(٤) " الفكر السامي ": ٢/ ١٢٩.

<<  <   >  >>