للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رِوَايَتَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالرَّأْيِ، أَوْ لِأَنَّهُ شِيعِيٌّ أَوْ مُرْجِئٌ ... إلخ، هذه الألفاظ التي تداولوها، والتي كانت تدعو إلى الوقوف من الموصوفين بهذه الأوصاف موقف الحذر والريبة، مع أن بعض هذه الألفاظ يدخل في مفهومها الصالح والطالح فهي أشبه بالمشترك اللفظي، كالوصف بالإرجاء أو التشيع فقد يراد بالإرجاء تأخير القول في الحكم بتصويب إحدى الطائفتين المتقاتلتين بعد عثمان، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الكَبِيرَةِ لَا يُكَفَّرُ بَلْ حُكْمُهُ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ. وقد يراد به الدعوة إلى التهاون في الشرائع والأحكام تسهيل ارتكاب الكبائر بإعلان مبدأ القائل بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة (١). وكذلك الشأن في التشيع، إِذْ هُوَ مَحَبَّةُ عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السَبُّ أو التصريح بالبغض فهو غالٍ في الرفض وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو (٢).

ولغموض الجرح أحيانًا، ولأنه في أحيان أخرى قد يكون بسبب العصبية المذهبية أو الخلاف في الرأي الفقهي، أَوْ بِمَا لَا يُعَدُّ قَادِحًا فِي الحَقِيقَةِ - طالب المتأخرون بأن يكون مشفوعًا بذكر السبب وهو الجرح المفسر (٣) فإنه لا ينبغي أن يستقل الجارح وحده بالحكم، بل عليه أن يشرك فيه غيره، وَذَلِكَ بِأَنْ يُهَيِّئَ له فرصة تقدير حكمه ووزنه، ثم إمضائه أو رَدِّهِ.


(١) انظر " شرح الطحاوية في العقيدة السلفية " لعلي بن علي بن محمد أبي العز الحنفي المتوفى سنة ٧٩٢ هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر: ص ٢٦٥ وما بعدها.
(٢) انظر " هدي الساري ": ص ٤٥٩، ٤٦٠.
(٣) انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر: ٢/ ١٥٠، ١٦٣؛ و" طبقات الشافعية " للسبكي: ١/ ١٧٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>