للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذا فقط تقل خطورة الذاتية في الجرح، ويسلم من الخطأ أو يكاد.

وفي هذا القرن حدثت ظاهرتان كان لكل منهما أثر كبير في إذكاء الخلاف بين أهل الحديث ومدرسة أبي حنيفة وجعلت الرأي ألصق بأصحاب هذه المدرسة وأخص بهم.

أما الظاهرة الأولى فكانت شيوع مهاجمة القياس الفقهي، سواء مِنَ المُحَدِّثِينَ - وبخاصة أهل الظاهر منهم -، أو من المتكلمين الذين كانوا يتفقون مع أهل الحديث في فكرة التعبد المحض، ويخالفونهم في اعتبار السنة أصلاً من أصول التشريع (١)، أم من الشيعة الذين كانوا يضعون أقوال أئمتهم واجتهادهم موضع النصوص القطعية.

وَيَسَّرَ لمهاجمي القياس هجومهم أن السُنَّةَ وَالآثَارَ قد استقصيت وجمعت من مختلف البلدان الإسلامية، وتحصل لهم منها ذخيرة عظيمة من الفتاوى والأحكام في كل فروع الفقه بحيث لم تعد الحاجة إلى القياس ضرورة ملحة في نظر الكثيرين.

أما الظاهرة الثانية فهي انتشار سلطان المعتزلة، وتحكمهم في الحياة الفكرية في العالم الإسلامي فترة من الوقت. والمعتزلة أصحاب مدرسة عقلية تقتحم مباحث العقيدة والألوهية بكثير من الجُرأة النظرية، وتنظر


(١) انظر " تاريخ التشريع " للخضري. وقد ذكر ابن عبد البر أن العلماء قديمًا كانوا يجيزون الاجتهاد بالرأي والقياس على الأصول حتى حدث إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَيَّارْ النَّظَّامْ وقوم من المعتزلة سلكوا طريقه في نفي القياس والاجتهاد في الأحكام وخالفوا ما مضى عليه السلف، وتبعهم داود بن علي الظاهري من أهل السنة: ثم ذكر أن كثيرين من المعتزلة خالفوا النَّظَّامَ في نفيه القياس، منهم أبو الهُذيل وبِشر بن المعتمر (انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ٦٢، ٦٣).

<<  <   >  >>