للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا حنيفة بأنه كان يذهب إلى القول بخلق القرآن، ولكن الخطيب يقول: «مَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَبُو يُوسُفَ وَلَا زُفَرُ وَلَا مُحَمَّدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فِي القُرْآنِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمِ فِي القُرْآنِ بِشْرُ المَرِيسِيُّ وَابْنُ أَبِي دُؤَادَ، فَهَؤُلَاءِ شَانُوا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ» (١).

وهكذا رأينا أن القرن الأول لم تكن فيه خصومة بين أهل الرأي وأهل الحديث إذ لم تكن الفئتان قد تميزتا بعد، وإنما كان هناك شيء من التنافس الإقليمي بين المدينة والعراق.

أما في القرن الثاني فقد زاد المُحَدِّثُونَ من نشاطهم، وبرزوا إلى المجتمع كطائفة متميزة، فبدأ الصراع بينهم وبين أبي حنيفة ومدرسته الذين اختصوا بأنهم أهل الرأي، وكان من أبرز خصائصهم التي من أجلها خصوا بهذه الصفة كثرة استخدام القياس والبراعة في استعماله، وفرض الفروض وتفريع الفروع، وإن حاول خصومهم أن يشيعوا عنهم رغبتهم عن الحديث وتقديمهم الرأي عليه كما يتضح مما نقلناه عن الأوزاعي، وكما جمع ابن أبي شيبة ما خالف فيه أبو حنيفة الأحاديث الصحيحة في خمس وعشرين ومائة مسألة، وَرَدَّ عليه الكوثري في كتابه " النكت الطريفة ".

وفي القرن االثالث أخذت هذه العبارة (أَهْلِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الحَدِيثِ) صورة مذهبية عنيفة بسبب ظهور مذهب أهل الحديث واستكمال بنائه، يقول ابن عبد البر: «وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الحَدِيثِ فَهُمْ كَالأَعْدَاءِ لأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ» (٢).

فالبخاري لا يذكر اسم أبي حنيفة - عند بيانه للمسائل التي خالف فيها غيره، ويكني عنه بـ (بَعْضِ النَّاسِ) والترمذي يصنع مثل هذا الصنيع في


(١) " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " للدكتور علي النشار: (*) / ص ٢٣٦، ٢٣٧ الطبعة الثالثة نقلاً عن " تاريخ بغداد ": ١٣/ ٣٩٨.
(٢) " الانتقاء " لابن عبد البر: ص ١٧٣.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام " للدكتور علي سامي النشار، ١/ ٢٣٧، الطبعة التاسعة، دار المعارف بمصر.

<<  <   >  >>