للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنك إذا (١) أدغمت في حرفين فيهما غنة، وذلك الميم والنون، فبالإدغام تلزم الغنة، لأنها باقية غير مدغمة، وبالإظهار أيضا تلزم الغنة، لأن الأول حرف تلزمه الغنة، ومثله الثاني. فالغنة، لا بدّ منها ظاهرة، أدغمت أو لم تدغم. وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن، ولا يجوز الإظهار ألبتة، كما لا يجوز في قوله: ﴿فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ «الإسراء ٢٣» و ﴿اجْعَلْ لَنا ٢﴾ «النساء ٧٥» وشبهه إلا الإدغام. فأما علة إدغامها في الميم فلمشاركتهن في الغنة، ولتقاربهن في المخرج، للغنة التي فيهن، لأن مخرج النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة من الخياشيم، فقد تشاركن في مخرج الغنة، فحسن الإدغام، مع أن النون مجهورة شديدة والميم مثلها، فقد تشاركن في الجهر والشدة، فهما في القوة سواء، في كل واحد جهر وشدة وغنة، فحسن الإدغام وقوي، وبقيت الغنة ظاهرة، لئلا يذهب الحرف بكليته، ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين، غنة كانت في الأول، وغنة في الثاني إذا سكن، وأيضا فإنه لا يمكن ألبتة زوال الغنة، لأنك لا بدّ لك في الإدغام من أن تبدل من الأول مثل الثاني، وذلك لا بدّ فيه من الغنة، لأن الأول فيه غنة، والثاني إذا سكن فيه غنة، فحيثما حاولت مذهبا لزمتك الغنة ظاهرة، فلم يكن بدّ من إظهار الغنة في هذا، وهذا كله إجماع من القراء والعرب، ولا يتمكن أبدا في إدغام النون والتنوين في الميم والنون إدغام الغنة إلا بذهاب لفظ الحرفين جميعا إلى غيرهما من الحروف، ممّا لا غنة فيه إذا سكن، وذلك تغيير لم يقع في كلام العرب.

«٤» الرابع: أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الياء والواو من كلمتين، مع إظهار الغنة التي كانت في النون، في حال اللفظ بالشدة والمدغم، لا في نفس الحرف الأول، بخلاف ما ذكرنا قبل هذا، الذي تبقى الغنة ظاهرة مع لفظ الحرف الأول. والفرق بينهما أنك إذا أدغمت النون في الميم أبدلت من النون،


(١) لفظ «إذا» سقط من: ص.
(٢) ب، ص: «اجعل لهم» ولامثال له في القرآن، واستدركت ما له مثال.