للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبليس اللعين فأزالهما بالمعصية عن المكان الذي أمرهما الله بالثبات فيه مع الطاعة، فكان الزوال به أليق، لما ذكرنا. وأيضا فإنه مطابق لما بعده في المعنى لأن بعده ﴿فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ﴾ والخروج عن المكان هو الزوال عنه. فلفظ الخروج عن الجنة يدل على الزوال عنها، وبذلك قرأ الحسن والأعرج وطلحة (١).

«٢٠» وعلة من قرأ بغير ألف الإجماع في قولهم: ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ﴾ «آل عمران ١٥٥» أي: أكسبهم الزلة، فليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان. إنما قدرته على إدخال الإنسان في الزلل، فيكون ذلك سببا إلى زواله من مكان إلى مكان بذنبه، ويقوي ذلك أنه قال في موضع آخر: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾ «الأعراف ٢٠»، والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزّلل بالمعصية، وليست الوسوسة بإزالة منه لهما من مكان إلى مكان. إنما هي تزيين فعل المعصية، وهي الزلة لا الزوال. وأيضا فإنه قد يحتمل أن يكون معنى «فأزلّهما» من: زلّ عن المكان، إذا تنحى عنه، فيكون في المعنى كقراءة من قرأ بألف من الزوال، والاختيار القراءة بغير ألف، لما ذكرنا من العلة، ولأنه قد يكون بمعنى «فأزالهما» فيتفق معنى القراءتين، ولأنه إجماع من القراء غير حمزة، ولأنه مروي عن ابن عباس، وبه قرأ أبو جعفر يزيد وشيبة، وأبو عبد الرحمن السّلمي وقتادة ومجاهد وابن أبي إسحاق، وهي قراءة أهل المدينة، وأهل مكة، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد. قال أبو عبيد من قرأ بغير ألف ذهب إلى الزلل في الدين كقوله: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها﴾ «النحل ٩٤» ومن خفّف أراد إزالتهما عن موضعهما (٢).

«٢١» قوله: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ قرأه ابن كثير بنصب


(١) تفسير ابن كثير ١/ ٨٠.
(٢) الحجة في القراءات السبع ٥١، وزاد المسير ١/ ٦٧، وتفسير ابن كثير ١/ ٨٠، والمختار في معاني قراءات أهل الأمصار ٦ /أ، والكشف في نكت المعاني والإعراب ٥ /أ.