للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في المعنى لاشتماله على التثبت، وقد جاء عن النبي أنه قال: «التبين من الله والعجلة من الشيطان، فتبينوا» (١). والاختيار القراءة بالياء، لعموم لفظها ولأن أكثر القراء عليها (٢)، ولأن (٣) بها قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وقتادة وابن جبير، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد. وقرأ ابن مسعود وابن وثّاب وطلحة والأعمش وعيسى بالثاء، وهو اختيار الطبري (٤).

«٦٤» قوله: ﴿السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ قرأه حمزة ونافع وابن عامر بغير ألف، على معنى الاستسلام والانقياد، ومنه قوله: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ «النحل ٨٧» فالمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم وانقاد لست مسلما فتقتلوه حتى تتبينوا أمره. وقرأ الباقون «السلام» بألف، على معنى السلام، الذي هو تحية الاسلام، وعلى معنى: لا تقولوا لمن حياكم تحية الإسلام لست مؤمنا، فتقتلوه، لتأخذوا سلبه، ويجوز أن يكون المعنى:

لا تقولوا لمن كفّ يده عنكم واعتزلكم لست مؤمنا. حكى الأخفش أنه يقال:

أنا سلام، أي معتزل عنكم، لا نخالطكم، ومنه قوله: ﴿وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً﴾ «الفرقان ٦٣» لم يخبر عنهم أنهم حيوهم بالسلام إنما معناه: قالوا براءة منكم لا نخالطكم. وبالألف قرأ ابن عباس وابن جبير وابن هرمز وقتادة والجحدري وابن سيرين. والألف أحب إليّ، لأن أكثر القراء عليه، ولأنه أبين في المعنى. وقد روي في ما قال لهم الرجل الذي قتلوه، ونزلت هذه الآية بسببه، أنه قال لهم: إني مسلم، وروي أنه شهد أن لا إله إلا الله فلم يصدقوه، وقتلوه وروي أنه قال لهم: السلام عليكم، فاتهموه وقتلوه، وهذا


(١) الترمذي «كتاب البر والصلة» وفيه: «الأناة» وليس فيه «فتبينوا»، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. وانظر أيضا النهاية في غريب الحديث ١/ ١٧٥
(٢) ص: «عليه».
(٣) ب: «ولأنه» ورجحت ما في: ص.
(٤) هو محمد بن جرير أبو جعفر، صاحب التفسير والتاريخ، أخذ القراءة عن سليمان بن عبد الرحمن والعباس بن الوليد وروى الحروف عن هذا وعن يونس ابن عبد الأعلى والتغلبي وأبي كريب، وعنه الدّاجوني وعبد الواحد بن عمر والفرغاني، (ت ٣١٠ هـ) ترجم في تذكرة الحفاظ ٧١٠، وطبقات القراء ٢/ ١٠٦