للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والكسائي بالتوحيد، لأن الواحد، في هذا النوع، يدلّ على الجمع، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ﴾ «الأنبياء ٧»، و ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ «يونس ٢٠» فهو مثله، وقرأ الباقون بالجمع على الأصل، لأنهم اقترحوا آيات تنزل عليهم، ودليله أن بعده في الجواب ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ﴾. فدلّ هذا على أنهم اقترحوا آيات، إذ أتى الجواب بالجمع، يدلّ على أن سؤالهم كان بآيات، وأيضا فإنها في المصحف بالتاء، فدل ذلك على أنه جمع. إذ لو كان على التوحيد لكان بالهاء، فقويت القراءة بالجمع، وهو الاختيار (١).

«١٠» قوله: ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا﴾ قرأه نافع وأهل الكوفة بالياء، على الإخبار عن الله، لأن قبله: ﴿قُلْ كَفى بِاللهِ﴾ «٥٢» وقوله: ﴿كَفَرُوا بِاللهِ﴾، فذلك أقرب إليه من غيره، ويجوز أن يكون إخبارا عن قول الموكّل بعذابهم لهم، فالتقدير: ويقول الموكّل بعذابهم لهم. وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله تعالى عن نفسه، لأن كل شيء لا يكون إلا بأمره، فنسب الفعل إلى نفسه، وإن كان تعالى ذكره لا يكلّمهم، إنّما تكلمهم الملائكة عن أمره ومشيئته، فنسب الفعل إليه لمّا كانت الملائكة لا تكلمهم إلا عن أمره وإرادته.

والياء أحبّ إليّ، لأن المعنى عليه، إذ القائل لهم هذا القول غير الله جل ذكره، وأيضا فإن قبله إخبارا عن الله جل ذكره، في قوله: ﴿أَنّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ﴾ «٥١» وبعده قوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْنا﴾ «٥٧»، و ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ «٥٨» فحمل على ما قبله وما بعده من الإخبار عن الله جل ذكره (٢).

«١١» قوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ قرأ أبو بكر بالياء، حمله على لفظ الغيبة في قوله ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾، وجمع حملا على معنى «كل».

وقرأ الباقون بالتاء، على معنى الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كقوله: ﴿إِيّاكَ﴾


(١) التبصرة ٩٧ /ب، والتيسير ١٧٤، والنشر ٢/ ٣٢٩، وزاد المسير ٦/ ٢٧٩، وتفسير النسفي ٣/ ٢٦١، والمختار في معاني قراءات أهل الأمصار ٨٣ /ب.
(٢) زاد المسير ٦/ ٢٨٠، وتفسير ابن كثير ٣/ ٤١٩.