للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال البغوي: "قد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم في القراءة خلفَ الإمام، فذهب جماعةٌ إلى إيجابها سواءٌ جهر الإمام أو أسرّ، يُروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس ومعاذ وأبيّ بن كعب، وبه قال مكحول، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور، فإن أمكنه أن يقرأ في سكتة الإمام، وإلا قرأ معه.
وذهب قومٌ إلى أنّه يقرأ فيما أسرّ الإمام فيه القراءة، ولا يقرأ فيما جهر، يُقال: هو قول عبد الله بن عمر، يُروى ذلك عن عروة بن الزبير، والقاسم بن محمَّد ونافع بن جببر، وبه قال الزهريّ ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وهو قولٌ للشافعي.
وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ أحدٌ خلف الإمام سواء أسرّ الإِمام أو جهر، يُروى ذلك عن زيد بن ثابت وجابر، ويُروى عن ابن عمر: "إذا صلى أحدُكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام"، وبه قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي، واحتجوا بحديث أبي هريرة: "ما لي أنازع القرآن"، وذلك محمول عند الأكثرين على أن يجهر على الإمام بحيث ينازعه القراءة". شرح السنة (٢/ ٢٢٣).
قلت: وما ذهب إليه المصنف هو مذهب الظاهرية أيضًا كما في المحلى (٢/ ٢٦٨).
ولعل أولى الأقوال وأقواهها ما ذهب إليه مالك وغيره إلى أنّ المأموم يقرأ في السرية ويستمع في الجهرية، يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾، وهو عام، قال القرطبي: "قال النقاش: أجمع أهل التفسير أنّ هذا الاستماع في الصلاة المكتوبة وغير المكتوبة". الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٢٢٤)، وانظر: الأوسط لابن المنذر (٣/ ١٠٤)، والمغني لابن قدامة (٢/ ٢٦١).
قال ابن عبد البر: "في قول الله ﷿: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ من إجماع أهل العلم أنّ مراد الله من ذلك في الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أنّ المأموم إذا جهر إمامُه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء وأن يستمع له وينصت". التمهيد (١١/ ٣٠، ٣١).
ويدل عليه أيضًا قول : "إذا قرأ (أي الإمام) فأنصتوا"، ولم يخص الفاتحة من غيرها، والإنصات يكون في الصلاة الجهرية، والحديث عند مسلم في صحيحه (رقم: ٤٠٤).
وقوله : "من كان له إمام فقراءته له قراءة"، وهو حديث حسن. وبمجموع طرقه كما في الإرواء (٢/ ٢٦٨).
وفي المذاهب تفاصيل أخر لا يسع المقام لذكرها.
انظر في ذلك: المنتقى للباجي (١/ ١٥٩)، التمهيد (١١/ ٢٧ - ٥٥)، المغني (٢/ ٢٥٩ - ٢٦٤)، الأوسط لابن المنذر (٣/ ١٠١ - ١١٠)، المجموع شرح المهذب (٣/ ٣٦٥)، المحلى (٢/ ٢٦٨ - ٢٧٣)، الفتح (٢/ ٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>