للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه: وقد أرخينَا في هذا الحديث زمام العنان، وأطلقنا في ميدانه قلم البيان، على أنَّا لم نخرج في ذلك عن طريق الاقتصاد، ولا بلغنا في مدّ أطنابه كُنْه المراد، بَيدَ أن الكلامَ إذا قلّ ودَلَّ اكتفي به كي لا يُملّ.


= (الإحسان) (٣/ ٤٠٤) (رقم: ١١٢٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (١/ ١٣٥)، والحازمي في الاعتبار (ص: ٩٣) بإسناد حسن من حديث طلق بن علي أنه قال: أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يؤسِّسون مسجد المدينة.
قالوا: وأبو هريرة أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، والمتأخر يقضي على المتقدّم.
قلت: يؤيِّد القول بنسخ حديث طلق ما ذكره المؤلف من كون حديث طلق على البراءة الأصلية، وأما حديث بسرة فقد أنشأ حكمًا مستقلًا، فلا شك أنّه متأخر على حديث طلق، والمتأخر يقضي على المتقدم، والله أعلم.
وتعقَّب الطيبي في شرح المشكاة (٣/ ٧٦٣) القول بالنسخ، فقال: ادّعاء النسخ فيه قولٌ مبني على الاحتمال، وهو خارج عن الاحتياط إلَّا أن يثبت أن طلقًا توفي قبل إسلام أبي هريرة أو رجع إلى أرضه ولم يبق له صحبة بعد ذلك، وما يدري هذا القائل أن طلقًا سمع هذا الحديث بعد إسلام أبي هريرة. اهـ.
لكن ردّ اللكنوي قول الطيبي وقال: هذا القول فيه ما فيه، ولم يثبت أنه قدم مرة ثانية، ثم ذكر وجه الإنصاف في ذلك فقال: والإنصاف في هذا المبحث أنه إن اختير طريق النسخ، فالظاهر انتساخ حديث طلق لا العكس، وإن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة وقوة، وإن اختير طريق الجمع فالأولى أن يُحمل الأمر على العزيمة وعدم النقض على الضرورة. التعليق الممجّد (١/ ٢٠٢، ٢١٦).
قلت: وهذا الأخير أعني حمل حديث الأمر بالوضوء على الندب هو قول أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: وأمره بالوضوء من مسّ الذَكر إنما هو استحباب إما مطلقًا، وإما إذا حرّك الشهوة، وليس في النصوص ما يدل أنه منسوخ، بل النصوص تدل على أنه ليس بواجب، واستحباب الوضوء منه أعدل الأقوال من قول من يوجبه وقول من يراه منسوخا، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره. انظر: المبسوط (١/ ٦٦)، وحقيقة الصيام (ص: ٤٥، ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>