للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحماية باب الإصلاح والتغيير أولى؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، ويتسلط عليه من لا يعلم، وطريق الأشياخ أسلم مع التبيين، فيذكر اللفظ عند السماع كما وقع، وينبّه عليه، ويذكر وجه الصواب، إما من جهة العربية، أو النقل، أو وروده كذلك في حديث آخر، أو يقرؤه على الصواب، ثم يقول: وقع عند شيخنا أو في روايتنا كذا، أو من طريق فلان كذا، وهو أولى؛ لئلا يقول على النبي ما لم يقل" (١).

وقال القاضي أيضًا في مقدمة كتابه مشارق الأنوار: "كثر في المصنفات والكتب التغيير والفساد، وشمل ذلك كثيرًا من المتون والإسناد، وشاع التحريف، وذاع التصحيف، وتعدى ذلك منثور الروايات إلى مجموعها، وعمَّ أصول الدواوين مع فروعها، حتى اعتنى صبابة أهل الإتقان والعلم - وقليل ما هم - بإقامة أودها، ومعاناة رمدها، فلم يستمر على الكافة تغييرها جملة لما أخبر عن عدول خلف هذه الأمة، وتكلَّم الأكياس والنقاد من الرواة في ذلك بمقدار ما أوتوه، فمن بين غال ومقصر، ومشكور عليم، ومتكلِّف هجوم، فمنهم من جسر على إصلاح ما خالف الصواب عنده، وغيّر الرواية بمنتهى علمه وقدر إدراكه، وربما كان غلطه في ذلك أشدّ من استدراكه؛ لأنه متى فتح هذا الباب لم يوثق بعد بتحمل رواية، ولا أنِس إلى الاعتداد بسماع، مع أنَّه قد لا يُسلّم له ما رآه، ولا يُوافق على ما أتاه، إذ فوق كل ذي علم عليم … فأمَّا الجسارة فخسارة، فكثيرا ما رأينا من نبّه بالخطأ على الصواب فعكس الباب، ومن


(١) الإلماع (ص: ١٨٥، ١٨٦)، وانظر: مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث (ص: ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>