للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمّاه سِحرًا على طريق المجاز لأخذه شِبهًا منه، كما قال في الفَرَس: "وجدناه بحرًا". لم يرد بهذا ذمّ البيان، لكنه أعلم أن منه ما قد يؤثّر تأثير السحر، إذ السحر يوهم أن الشيء على خلاف ما هو عليه، وكذلك البيان يوهم أن الأمرَ على ما يقتضيه ظاهر القول، وربّما كان على خلاف ذلك، إلَّا أن البيان يتنوّع كتنوّع المقال، فمنه إيضاح للحقائق، ومنه تزوير واحتيال، ولهذا قيل في جيِّده: إنه السحر الحلال (١)، وأما السِّحرُ المطلق فمحظورٌ كيفما تُصرّف؛ لأنه ضَربٌ من المحال (٢).


= في المجمع (٨/ ١١٦) إلى الكبير أيضًا -ولم أجده فيه- وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير عن موسى الأصطخري، عن الحسن بن كثير بن يحيى بن أبي كثير، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات".
قلت: محمد بن موسى الأصطخري لم أجده أيضًا، وأما الحسن بن كثير بن يحيى بن أبي كثير فضعيف، ضعَّفه الدارقطني كما في اللسان (٢/ ٢٤٧).
فالحاصل أن القصة مع شهرتها ضعيفة من جهة الإسناد، لكن كون الرجلين هما الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم هو المشهور عند أهل العلم. انظر: المنتقى للباجي (٧/ ٣١٠)، والتمهيد (٥/ ١٧٦).
قال الحافظ بعد أن ساق حديث ابن عباس السابق: "وهذا لا يلزم منه أن يكون الزبرقان وعمرو هما المراد بحديث ابن عمر، فإنَّ المتكلّم إنما هو عمرو بن الأهتم وحده، وكان كلامه في مراجعة الزبرقان، فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلَّا عل طريق التجوز". الفتح (١٠/ ٢٤٧ - ٢٤٨).
(١) قاله عمر بن عبد العزيز لما أُعجب بكلام سائل سأله. التمهيد (٥/ ١٤٧).
(٢) اختلف العلماء في تأويل قوله : "إنَّ من البيان لسحرًا"، فقال قوم من أصحاب مالك كعيسى بن يونس: إنَّه خرج مخرج الذمّ للبيان؛ لأنه أطلق عليه السحر وهو مذموم، وذكروا أن هذا هو مذهب مالك؛ لكونه أدخله في باب: ما يُكره من الكلام، قال الباجي: "وهو وجيه إن كان البيان بمعنى الإلباس والتمويه عن حق إلى باطل".
وقال آخرون: إنه خرج مخرج المدح، وهذا مذهب جمهور علماء العربية.
والراجح أنه ليس بذم للبيان كلّه ولا بمدح له كفه، فيمدح إذا كان لبيان الحق وإيضاحه ما لم يخرج إلى حدّ الإسهاب والإطناب والتفيهق، ويذم إذا أريد به تزيين الباطل، وهذا اختيار غيرُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>