وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة الحسن عن أبي بكرة وهو مدلس، وقد اختلف أيضًا في سماعه منه فذهب علي بن المديني والبخاري إلى أنه سمع منه، فروي البخاري في كتاب الصلح، باب: قول النبي ﷺ للحسن بن علي ﵄: "ابني هذا سيد … " (٢/ ٢٦٩، ٢٧٠) (رقم: ٢٧٠٤) عن الحسن أنه قال: "لقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله ﷺ علي المنبر -والحسن بن علي إلي جنبه- وهو يقبل علي الناس مرة وعليه أخرى ويقول: إن ابني هذا سيد … "، ثم قال البخاري: "قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث"، وقد روي البخاري له عنه في صحيحه عدة أحاديث أخرى انظرها في تحفة الأشراف (٩/ ٣٨ - ٤٠). وذكر الباجي في التعديل والتجريح (١/ ٤٨٦) عن ابن معين والدارقطني أنَّهما أنكرا سماع الحسن من أبي بكرة، وإليه ذهب ابن رجب في فتح الباري (٥/ ٤٣٢)، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأكثر المتقدمين، واحتج الباجي للدارقطني بأن الحسن أدخل بينه وبين أبي بكرة الأحنف بن قيس في حديث "إذا التقى المسلمان بسيفيهما"، ولذلك انتقد الدارقطني في تتبعه (ص: ٢٢٢، ٢٢٣) الأحاديث التي أوردها البخاري من طريق الحسن عن أبي بكرة قائلًا: "والحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة"، لكن ردّ عليه العلائي عن هذا التعليل بأن غاية ما اعتل به الدارقطني أن الحسن روي أحاديث عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة، وذلك لا يمنع من سماعه منه ما أخرجه البخاري. قلت: فالراجح في المسألة ما قاله العلائي: "صحة سماعه من أبي بكرة للأحاديث التي رواها البخاري من طريقه، لأنه لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء"، وأما الحديث الذي بين أيدينا فنقول: إن احتمال تدليس الحسن فيه وإن كان واردًا إلا أن الحافظ عدّه في الثانية، وقد احتمل الأئمة تدليس أهل هذه الطبقة وأخرجوا لهم في الصحيح لإمامتهم وقلة تدليسهم في جنب ما روى. وعليه فالإسناد صحيح. وانظر: الكلام في سماع الحسن من أبي بكرة في علل ابن المديني (ص: ٦٠)، وجامع التحصيل (ص: ١٦٣)، وفتح الباري (١٣/ ٧٠ - ٧١)، وموقف الإمامين (ص: ١١٤ - ١١٥). =