للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي عياض: "وقد ضعَّف أئمّةُ الصنعة روايةَ مَن سمع الموطأ علي مالك بقراءة حبيب كاتبه؛ لضعفه عندهم، وأنَّه كان يخطرف الأوراق حين القراءة ليتعجَّل، وكان يقرأ للغرباء، وقد أُنكِرَ هذا الخبرُ علي قائله؛ لحفظ مالك لحديثه، وحفظ كثير من أصحابه الحاضرين له، وأنَّ مثل هذا ممّا لا يجوز علي مالك، وأنَّ العرض عليه لم يكن من الكثرة بحيث تُخطرف عليه الأوراق ولا يفطن هو ولا من حضر، لكن عدم الثقة بقراءة مثله مع جواز الغفلة والسهو عن الحرف وشبهه، وما لا يُخلُّ بالمعنى مُؤثِّرة في تصحيح السماع كما قالوه، ولهذه العلَّة لم يخرِّج البخاري من حديث ابن بكير عن مالك إلَّا القليل، وأكثر عنه عن الليث، قالوا: لأنَّ سماعه كان بقراءة حبيب، وقد أنكر هو ذلك" (١).

قلت: وروى القاضي عياض وابن بشكوال بسنديهما عن أسلم بن عبد العزيز قال: قال بقي بن مخلد: "لما وضعت مسندي جاءني عبيد الله وإسحاق ابنا يحيى بن يحيى فقالا لي: بلغنا أنك وضعتَ كتابًا قدّمتَ فيه أبا مصعب الزهري ويحيي بن بكير، وأخّرت أبانا، فقلت لهما: أمَّا تقديمي لأبي مصعب فلقول رسول الله : "قدِّموا قريشًا ولا تَقَدَّموها"، وأمَّا تقديمي لابن بكير فلسنِّه، وقد قال رسول الله : "كبِّر كبِّر"، ولأنه سمع الموطأ من مالك سبع عشرة مرة، وأباكما لم يسمع منه إلا مرة واحدة، فخرجا من عنده، وخرجا معه إلي حدّ العداوة" (٢).

فهذا دليل أنَّ رواية ابن بكير صحيحة عن مالك، زيادة علي ما تقدَّم.


(١) الإلماع (ص: ٧٧).
(٢) الغنية (ص: ٩٨)، الصلة (١/ ٨٢)، والسند صحيح إلي بقيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>