للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= صفر ولا هامة"؟: قال: لم أحدثكموه، قال الزهري: قال أبو سلمة: قد حدّث به، وما سمعت أبا هريرة نسي حديثًا قط غيره". هذا سياق أبي داود، وذكره مسلم بلفظ أطول من هذا حيث أخرج الحديث من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وفيه: "قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله ، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: "لا عدوى"، وأقام على: "أن لا يورد ممرض على مصح"، قال: فقال الحارث بن أبي ذباب (وهو ابن عم أبي هريرة): قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدّثنا مع هذا الحديث حديثًا آخر قد سكتَّ عنه، كنتَ تقول: قال رسول الله : "لا عدوى"، فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك، وقال: "لا يورد ممرض على مصح"، فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة، فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ما قلت؟ قال: لا. قال أبو هريرة: قلت: أبيت. قال أبو سلمة: ولعمري! لقد كان أبو هريرة يحدِّثنا أن رسول الله قال: "لا عدوى"، فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر". صحيح مسلم (٤/ ١٧٤٤ - ١٧٤٥).
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٤/ ٣٠٩) من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، وفيه قول أبي صالح: "فسافرت إلى الكوفة، ثم رجعت، فإذا أبو هريرة يتنقص: "لا عدوى" لا يذكرها، فقلت: "لا عدوى"، فقال: "أبيتُ".
قال القرطبي: "أما سكوت أبي هريرة عن قوله: "لا عدوى" وإيراد الحديث من غير: "لا يورد ممرض على مصح" بعد أن حدّث بمجموعهما، فلا يصح أن يكون من باب النسخ كما قدره أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ لأنَّهما لا تعارض بينهما، إذ الجمع صحيح كما قدّمناه … إلى أن قال: وعلى هذا، فسكوت أبي هريرة يحتمل أوجهًا:
- أحدها: النسيان المتقدِّم كما قال أبو سلمة.
- الثاني: أنَّهما لما كانا خبرين متغايرين لا ملازمة بينهما جاز للمحدّث أن يحدّث بأحدهما، ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة الحالية.
- ثالثها: أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما حتى إذا أمن من ذلك حدّث بهما جميعًا.
- ورابعها: أن يكون حمله على ذلك وجه غير ما ذكرناه، لم يُطلع عليه أحدًا، وعلى الجملة فكلُّ ذلك محتمل، غير أن الذي يُقطع بنفيه النسخ على ما قرَّرناه"، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (٥/ ٦٢٥ - ٦٢٦).
وذكر ابن حجر أيضًا قول أبي سلمة: "فلا أدري أنسي أبو هريرة"، وقال: "إنَّ دعوى النسخ مردودة؛ لأنَّ النسخ لا يُصار إليه بالاحتمال مع إمكان الجمع". فتح الباري (١٠/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>