للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


= إنَّ أهل الكوفة لم يكن الواحدُ منهم يسمع الحديث إلَّا بعد استكماله عشرين سنة ويشتغل قبل ذلك بحفظِ القرآن وبالتعبُّد". انظر الكفاية (ص: ٥٤)، وسَرَدَ الخطيبُ جملةً من الآثار تدلُّ على ما قرَّرَه.
وقال الرامهرمزي: "وقد دلَّ قولُ الزهري: ما رأيت طالبًا للعلم أصغرَ من سفيان بن عيينة، على أنَّ طلابَ الحديث في عصرِ التابعين كانوا في حدودِ العشرين". انظر المحدث الفاصل (ص: ١٨٦ - ١٨٨). وقال الحافظ ابن حجر ردًّا على قول ابنِ عبد البر السابق في إثبات سماع أبى إدريس من معاذ: "إذا كان وُلد في غزوة حنين -يعني أبا إدريس- وهي في أواخر سنة ثمان، ومات معاذ سنة ثمان عشرة، فيكون سنه حين مات معاذ تسع سنين ونصف أو نحو ذلك، فيَبعُد في العادة أن يُجارِي معاذًا في المسجد هذه المجاراة أو يخاطبه هذه المخاطبة على ما اشتهر من عادتهم أنَّهم لا يطلبون العلم إلا بعد البلوغ". تهذيب التهذيب (٥/ ٧٥).
فمِن هذا يظهر صواب مَن قال بعدم ثبوت السماع، وأنَّ حديث الموطأ منقطع بين أبي إدريس ومعاذ، ولعل أبا إدريس سمع هذا الحديث من عبادة، وسمعه أبو مسلم من معاذ فتوهَّم مَن توهَّم مِن الرواة أنَّ أبا إدريس سمعه من معاذ فرواه عنه، ولا يبعد أن يكون أبو إدريس سمعه أيضًا من أبي مسلم عن معاذ، أو عن يزيد بن عُميرة عن معاذ، فالحاصل أنَّ بين أبى إدريس ومعاذ انقطاعًا كما قال الزهري والدارقطني وغيرهما، والله أعلم.
ثم مما يويّد عدمَ سماع أبي إدريس من معاذ، أنَّ أبا إدريس خولانيٌّ يَمَنِيٌّ، وفي حديث الموطأ أنه لقي معاذًا بمسجد دمشق، فكيف يُقال لِمن هو في العاشرة من عمره أو دونها رحل في طلب العلم في هذا السن، فلا يُثبت له الرحلة واللُّقيا إلَّا بدليل قطعي، والله أعلم.
(١) انظر: (٣/ ١٠٥).
(٢) ذكره محمد بن سعد في الطبقه الثانية من تابعي أهل الشام وقال: (كان ثقة). الطبقات الكبرى (٧/ ٣١٢). وانظر: السير (٤/ ٧)، تهذيب الكمال (٣٤/ ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>