للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إدراكِ ذاتِه بأنْ يطالِبَها بتَصَوُّرِ حقيقَةِ الرُّوح وصِفةِ الإدراكِ في النَّومِ؛ إذ يَرَى نفسَه في البلادِ الثانِيةِ، وفي صُعُودٍ وهُبوطٍ، ويَرَى أنّه يُبصِرُ ويَسمَعُ ويَتكلَّمُ، لأَذعَنَ ويَئسَ مِن تصوُّرِ أفعالِ الإلهِ الذي لا شَبِيهَ له ولا نَظير، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ".

وهذا القسم الأول هم المأوِّلة من المعتزلة والأشاعرة النافون لصفات الله تعالى مستدلّين بشبه كالتي ذكر المصنِّف من أنَّ إثبات الصفات يقتضي التشبيه والله منَزّه عن التشبيه، وأَحسَنَ المصنِّف الردّ عليهم، وهذا يشمله قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

ثم وصف الفرقة الثانية فقال:

"وقَومٌ تَلَقَّوا ذلك بالقَبولِ، إلَّا أنَّهم ادّعَوا فَهْمَ ذلك الكلامِ المنقولِ، وزَعَمُوا أنه لا يَعزُب عنهم معرِفةُ حقائِقِه ولا ما أُريدَ به، وتَعاطَوا تفسيرَه، فتكلَّفوا مِن ذلك ما لَم يُكلّفوه، وشَغَلوا أنفسَهم بما لَم يُتعبَّدوا به، فَسَلَكُوا مع مَن ساواهم في العِلمِ بزَعمِه طريقَ الجِدَالِ والمِراءِ، وعَرَّضُوا العامَّةَ والمُتَعلِّمينَ للحَيْرَةِ والفِتنَةِ العَمياءِ؛ إِذ قد يَسمعُ أحدُهم كلامَ الفريقين، ويريدُ بزعمِه تَقلُّدَ أحْسَنَ القولَين، فإنْ قَصُرَ عِلمُه أو عَزَبَ فهمُه ارتابَ أو مالَ إلى قولِ المُخالفِ فَضَلَّ وغَوَى، وشَقِيَ باتّباع الهَوَى".

ثم ذكر المصنِّف الفرقة الثالثة فقال:

"والفرقةُ الثالثةُ، وهي النَّاجيةُ؛ قومٌ آمنوا بالغَيبِ، ولَم يُداخِلْهم شَكٌّ ولا رَيبٌ، تَركُوا الخَوضَ في الجِدالِ، واشتَغَلُوا بصالِح الأعمال،

<<  <  ج: ص:  >  >>