للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالسلف إنَّما نفوا كيفية الصفة وأثبتوا حقيقتها من غير تشبيه ولا تمثيل، بخلاف المعطِّلة من المأوِّلة والمفوِّضة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فقول ربيعة ومالك. "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب" موافقٌ لقول الباقين: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف" فإنَّما نفوا علْمَ الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرّد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ولما قالوا: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيف"؛ فإنَّ الاستواء حينئذ لا يكون معلومًا بل مجهول بمنزلة حروف المعجم وأيضًا فإنَّه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، إنّما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات، وأيضًا فإنَّ من ينفي الصفات الجزئية -أو الصفات مطلقًا- لا يحتاج إلى أن يقول: "بلا كيف" فمن قال: إنَّ الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف. وأيضًا فقولهم: "أمرُّوها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنّها جاءت ألفاظًا دالّة على معاني، فلو كانت دلالتُها منتفية لكان الواجب أن يُقال: أمرّوا لفظها مع اعتقاد أنَّ المفهوم منها غير مراد، أو أمرّوا لفظها مع اعتقاد أنَّ الله لا يوصف بما دلّت عليه حقيقة، وحينئذ تكون قد أُمِرَّت كما جاءت، ولا يُقال حينئذ: "بلا كيف"؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغوٌ من القول" (١).


(١) الفتوى الحموية (ص: ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>