للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم : "ومراد السلف بقولهم: "بلا كيف" هو نفي التأويل، فإنّه التكييف الذي يزعمه أهل التأويل، فإنَّهم هم الذين يثبتون كيفية تخالف الحقيقة فيقعون في ثلاثة محاذير: نفي الحقيقة، وإثبات التكييف بالتأويل، وتعطيل الرب تعالى عن صفته التي أثبتها لنفسه، وأما أهل الإثبات فليس أحد منهم يكيِّف ما أثبته الله تعالى لنفسه، ويقول: كيفية كذا وكذا، حتى يكون قول السلف "بلا كيف" ردًّا عليه، وإنّما ردّوا على أهل التأويل الذي يتضمّن التحريف والتعطيل، تحريف اللفظ وتعطيل معناه" (١).

وقال أيضًا: "إنَّ العقل قد يئس من تعرّف كُنه الصفة وكيفيتها، فإنّه لا يعلم كيف الله إلّا الله، وهذا معنى قول السلف "بلا كيف" أي: بلا كيف يعقله البشر، فإنَّ من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك، كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته، مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعَجْزُنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم.

فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال كلّه، والجمال كلّه، والعلم كله، والقدرة كلّها، والعظمة كلّها، والكبرياء كلّها، مَن لو كُشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاتُه السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، وما وراء ذلك، الذي يقبض


(١) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>