للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمواته بيده فتغيب كما تغيب الخردلة في كفِّ أحدنا، الذي نسبة علوم الخلائق كلّها إلى علمه أقلَّ من نسبة نقْرة عصفور من بحار العلم الذي لو أدتَّ البحر يمدُّه من بعده سبعة أبحر مداد وأشجار الأرض من حين خلقت إلى قيام الساعة أقلام، لفَنِيَ المداد وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلماته، الذي لو أنَّ الخلق من أول الدنيا إلى آخرها، إنسهم وجِنّهم، وناطقهم وأعجمهم، جُعلوا صفًّا واحدًا ما أحاطوا به سبحانه، الذي يضع السموات على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والأشجار على إصبع، ثمّ يهزّهنَّ، ثم يقول: أنا الملك.

فقاتل الله الجهمية والمعطّلة! أين التشبيه ها هنا؟ وأين التمثيل؟ لقد اضمحلَّ ها هنا كلُّ موجود سواه، فضلًا عن أن يكون له ما يماثله في ذلك الكمال، ويشابهه فيه، فسبحان من حجب عقول هؤلاء عن معرفته، وولّاها ما تولّت من وقوفها مع الألفاظ التي لا حرمة لها، والمعاني التي لا حقائق لها.

ولما فهمت هذه الطائفة من الصفات الإلهية ما تفهمه من صفات المخلوقين، فرَّت إلى إنكار حقائقها، وابتغاء تحريفها، وسمَّته تأويلًا، فشبّهت أوَّلًا، وعطّلت ثانيًا، وأساءت الظنَّ بربِّها وبكتابه وبنبيه، وبأتباعه" (١).

المسألة الخامسة: هل يطلق على الله اسم الدهر.

أورد المصنِّف حديث: "لا يقولَنَّ أحدُكم: يا خيبةَ الدَّهرِ، فإنَّ الله هو الدَّهر ثم قال: "كان أهلُ الجاهليةِ إذا أصابَتهم سَنَةٌ أو شِدَّةٌ ذَمُّوا


(١) مدارج السالكين (٣/ ٣٧٦ - ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>