للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصائب بغير فعل آدمي كالمصائب السماوية، أو بفعل لا سبيل فيه إلى العقوبة كفعل آدم عليه السلام فإنه لا سبيل إلى لومه شرعًا؛ لأجل التوبة، ولا قدرًا؛ لأجل القضاء والقدر، وأما إذا ظلم رجل رجلًا فله أن يستوفي مظلمته على وجه العدل، وإن عفا عنه كان أفضل له، كما قال تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} " (١).

والكلام في هذا المعنى كثير متشعّب، وما أوردته من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية جامع لشرح هذا الحديث وكلام المصنِّف، والله أعلم.

المسألة السابعة عشر: معنى الفطرة الواردة في حديث أبي هريرة: "كلُّ مولود يولد على الفطرة". قال المصنِّف رحمه الله: "والفطرةُ ابتداءُ الخَلقِ، وقيل: المرادُ بها في هذا الموضعِ العهدُ الذي ذَكَر الله سبحانه في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، وهدا يَتَضَمَّنُ الإقرارَ بالربوبيَّة، فكلُّ مولودٍ مَفطورٌ على ذلك الإقرارِ، ولا يزالُ على حكمِه حتى يبلغَ الحُلُمَ ويعقِلَ، فإنْ مات قبلَ ذلك كفاه الإقرارُ الأوَّلُ؛ إذ لَم يُتَعبَّدْ بغيرِه، ولا وَقَعَ منه عصيانٌ، كما قال ابن عباس: "قد أقَرُّوا بالميثاقِ الأوَّلِ، ولَم يعملوا عملًا ينقُضُ ذلك"، وإن بَلَغَ عاقلًا كُلِّف الإقرارَ بالوحدانيَّةِ، وهذا تكليفٌ عامٌّ يَعُمُّ الأديانَ كلَّها قديمًا وحديثًا، ومَن أباه كان مشركًا على الإطلاقِ، ويَتَركَّبُ على هذا الإقرارُ بالرِّسالةِ، ثمَّ قَبولُ الشرعِ الذي جاء به


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٠٨، ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>