وفي خضم هذا الفساد الاعتقادي، والابتعاد عن كتاب الله، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ساد العالم في القرن الثاني عشر، قيض الله له من يصحح لهذِه الأمة عقيدتها وسلوكها، ومن يبين هؤلاء الذين حملوا لواء الإصلاح الشيخ محمد السفاريني في بلاد الشام، ومن أبرز مظاهر تغييره للأوضاع الاعتقادية السائدة تأليفه في العقيدة السلفية، ومنها كتابه (لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية).
[الحالة العلمية]
كان هذا العصر من الناحية العلمية يغلب عليه الجمود وعدم الابتكار، ويعلل بعض المؤرخين سبب هذا الانحطاط إلى الحكم الاستبدادي، والضرائب الفادحة، والتدهور الاقتصادي، والانهيار الاجتماعي، وهذِه الأمور لا تغري بالابتكار الشخصي في العلوم، فعصر الجمع والتعليق والاختصار والتقليد الذي بدأ قبل ذلك بقرون عديدة، واستمر في هذِه الأثناء، ولكن النتائج التي أعطاها كانت أقل وأضعف.
ويصف الشيخ السفاريني الحالة العلمية التي عاشها في معرض حديثه عن إقدامه على شرح (ثلاثيات مسند الإمام أحمد) بعد تردد طويل، - بعد أن استقر رأيه على كتابة شرحه القيم - (... ولم يبق من آثار هذا البيان إلا حكايات تتزين بها الطروس ككان وكان، والعلم قد أفلت شموسه، ونقوضت محافله ودروسه، وربعه المأهول أمسى خاليًا، وواديه المأنوس أضحى موحشًا داويًا، وغصنه الرطيب غدا ذاويا، وبرده القشيب صار باليا. فالعالم الآن قلت مضاربه، وضاقت مطالبه، وعالت معاطيه، وسددت مذاهبه، فليس له في هذا الزمان ومنذ أزمان