للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل السابع في الكلام على الروح وما يتعلق بذلك]

اعلم رَحمني الله وإياكَ أن الناس اختلفوا في حقيقة الرّوح، ومنهم من سكت عن الخوض في ذلك لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]. وأما الذين خاضوا في الكلام عليها تباينت مذاهبهم، واختلفت أراؤهم، والصحيح أن الروح جسم مخالف بالماهية، لهذا الجسم المحسوس، وهو جسمٌ نوراني عُلوي، خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الوَرد، وسريان الذهن في الزّيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف، مُشابكًا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه الأعضاء، بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجَتْ عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، اختار هذا القول، الإمامُ المحقق ابن القيم، في كتابه "الرّوح" (١) من أقوال عديدة وقال: إنه الصواب في هذه المسألة وهو الذي لا يصح غيره، وكلّ الأقوال سواه باطلة، وعليه دلّ الكتاب والسّنّة، وإجماع الصحابة وأدلّة العقل والفطرة، وذكر لهذا القول مائة دليل وخمسة عشر دليلا، وأجاد، وأفاد، وزيف قول ابن سينا وابن


(١) نقل المصنف جل هذا الفصل من كتاب "الروح" لابن القيم.