للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

وأما محل الأرواح بعد الموت، فقد كَثُر فيه الخلافُ بين أهل الإتقان والإنصاف، حتى حقق أهل التحقيق ذلك؛ وبينوا هاتيك المسالك.

قال الحافظ ابن رجب (١): فأما الأنبياء فليس فيهم شك أن أرواحهم في أعلى عليين عند رب العالمين، وقد ثبت في الصحيح أن آخر كلمة تكلم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته أن قال: "اللهم الرفيق الأعلى" (٢) وكررها حتى قُبض.

وقال رجلٌ لابن مسعود: قُبضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأين هو؟ قال: في الجنة.

وأما الشهداء؟ فقال أكثر العلماء هم في الجنة، وقد تكاثرت الأحاديث بذلك:

ففي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا ابن مسعود عن هذه الآية، {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران: ١٦٩] فقال: أما إنا فقدْ سألنا عن ذلك، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، فاطلع عليهم ربُّك اْطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيّ شيء نشتهي، ونحنُ نسرحُ من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما أنهم لم يُتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نُريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا، حتى نُقتلَ فى سبيلك مرةً أخرى، فلمّا رأى أن


(١) "أهوال القبور" ص ١٥٧.
(٢) البخاري (٤٤٦٣).