للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن هذه المحبة سارية من محبة الله سبحانه وتعالى فإذا أحب العبد ربه سرت محبته إلى كل محبوب لله سبحانه، ومحبة العبد لربه إنما سرت من محبة الرب لعبده بلا شبهة.

فإن قلت: أليس قد قدمت أن المحبة هي الميل إلى الملائم الموافق؛ وقد بأن ذلك في محبة العبد فهل يتهيأ ذلك في محبة الحق لعبده (١).

قلنا: كلا لأن العبد إذا أحب ملائمًا موافقا فليتمَّ به نقصُه وليحصل به كماله والحق عزَّ وجل منزَّهٌ عن ذلك وإنما معنى محبته لعبده أنه إذا أحب نفسَه فأحب ما يصدر عنها من الأفعال الرفيعة القدر فتأثير محبة الحق للعبد أن يقطع عن القواطع ويرفع عن قلبه الحجاب حتَّى يراه قلبه.

والعبد لا يُحِب حتَّى يُحَب بلا ريب، ولا يريد حتَّى يراد فإذا رأيت قصورك عن مقامات الواصلين فاعلم أنك مطرود فليكن فرضك البكاء على إبعادك فربما أجدى والله تعالى أعلم.

[تكملة في بعض أحوال أهل المحبة وهي أكثر من أن تذكر في مثل هذا المختصر وأعظم من أن تحصر أو تحد بالنظر.]

قال في "زبدة الأعمال" عن مالك بن دينار أنه قال: رأيت شابًا بمنى وهو يقول: اللهم إن الناس قد ذبحوا ونحروا وتقربوا إليك فما لي شيء أتقرب به إليك أكبر من نفسي فتقبلها مني، ثم شهق شهقة فدنوت منه فإذا هو ميت، وقال عبد الصمد: اجتمعت أنا وبشر الحافي في طريق العمرة ومعنا شاب تائب سريع الدمعة قليل الكلام، كثير


(١) في ن ط/ كذب العترض ولا يقاس لهذا الفن، والله أعلم.