وتقدم أنَّ الله خفَّف عن أبي طالب بسبب إحسانه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا خفف عن عمه أبي لهب بسبب عتقه لثويبة حين بشرته بولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الحافظ الدمياطي رحمه الله: أن أبا لهب رؤي بعد موته فقيل له: ما حالك؟ قال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين اصبعي هاتين وأشار برأس أصبعيه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبإرضاعها له ونحوه في "المواهب اللدنية".
قلت: والرائي لأبي لهب هو العباس - رضي الله عنه - وقد ذكرت ذلك مطوّلا في كتابي "تحبير الوفَاء" في ذكر إرضاعه - صلى الله عليه وسلم -.
وما أحسن ما قاله الحافظ الشمس محمد بن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى في ذلك:
إذا كان هذا كافرًا جاء ذمه ... وتبّت يداه في الجحيم مخلدا
أتى إنه في يوم الاثنين دائمًا ... يخفف عنه للسرور بأحمد
فما الظن بالعبد الذي كان عمره ... بأحمد مسرورًا ومات موحدا
[...](١) إن الكافر لا ينتفع في الآخرة بشيء من حسناته بحال ومن حجة أهل هذا القول قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان: ٢٣] وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}[إبراهيم: ١٨] الآية. وفي صحيح مسلم عن أنسٍ - رضي الله عنه - عن