للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيفَ يلذ العيش من هو صائر ... إلى جدث [يُبْلي الشبابَ منازلهُ]

ويُذهب رسم الوجه من بعد ضوئه ... سريعًا ويبلِي جسمه ومَفِاصِلهُ (١)

فإذا متُ فتعاهدني بنفسك ثلاثًا، فادع لي ففعل فلما كانَ في اليوم الثالث حمع من القبر صوتًا أقشعر جسده، وتغير لونه، ورجع منه محمومًا إلى أهله.

فلما كان في الليل أتاه أبوه في منامه، فقال: أي بُني أنت عندنا عن قريب، والأمر بآخره والموتُ أقرب من ذلك، فاستعد لسفرك، وتأهَّب لرحيلك، وحوّل جهازك من المنزل الذي أنت عنه راحل، إلى المنزل الذي أنت فيه مقيم، ولا تغتر بما اغترَّ به البطالونَ فتلكَ من طولِ آمالهم، فقصروا عزائمهم وزادهم فندموا عند الموت أشد الندامة، وأسفوا على تضييع العُمر أشد الأسف، فلا الندامة عند الموت تنفعهم، ولا حَمدُوا أنفسهم على التقصير، أنقذك الله من شر ما وافَى به المغبونون مليكَهم يومَ القيامة، أي: بُنيَّ بادر ثم بادر ثم بادر.

قال فَدخلتُ عليه صبيحة ليلته من هذه الرؤيا، فقصها علينا وقال ما أرى الأمر إلَّا كما قال أبي: لا أرى الموتَ إلَّا قد أظلَّني فجعل يفرِّق ماله، ويتصدق ويقضي ما عليه من الدِّين، ويستحل خلطاءه ومُعامِليه ويسلم عليهم، ويودعهم ويودعونه، وكان يقول:


(١) في القبور (تبلى التراب مناهله) والبيت فيه:
ويُذهب وسم الوجه من بعد صورة ... ويبلى منه جسمه ومفاصله