للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي يجري على ألسنة الناس في الجاهلية، فإنهم كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء كما قال الشاعر: عليكَ سلام اللهُ قيسُ بن عاصمٍ. وقول الذي يَرقثى عمر بنَ الخطاب رضي الله عنهُ عليك سلام من أمير وباركت (١). وهو في أشعارهم كثير والإخبار عن الواقع، لا يدُلُ على الجواز، فضلًا عن الاستحباب فتعين المصير إلى ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -، من تقديم لفظ السلام، حتى يُسلم على الأموات، فإن تخيلَ مُتّخيل في الفَرق أن السلام على الأحياء متوقّعٌ جَوابه، فقدّم على المدعو له، بخلاف الميِّت قلنا: السلام على الميت يتُوقع جوابُهُ أيضًا كما ورد به الحديث: قالَ ومن النكت البديعة: أن الأحسنَ في دُعاءِ الخير أنْ يُقدَّمَ فيه الدعاء على المدعو له، نَحو {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}، {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ}، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ}، ودعاء الشرِّ الأحَسنُ فيه: تقديمُ المدعو عليه على المدعو به، كقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي}، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وأطال من ذكر الأسرار، ودقائق الفوائد والأخبار رحمَهُ اللهُ ما أغزر علمه وأسيل فهمه، فسبحان من ألهمه معرفة هذه الدقائق، وأطلعه على أسرار تلك الحقائق، فأودعَ في كتبه من ذلك، ما يبهر العقول لاسيَّما في كتابه الموسوم بدائع الفوائد، فهو مفرد في ذلك، رزقنا الله عِلمًا نافِعًا، وقلبًا خاشعًا ودعاءً مُتقبلا، والله أعلم.


(١) هو جزء بن ضرار الغطفاني شاعر مخضرم له قصيدة في رثاء عمر بن الخطاب الإصابة (ت ١٢٨١) وفي الاصابة البيت هكذا.
جزى الله خيرًا من أمير ... وباركت يد الله في ذلك الأديم الممزق