للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو المواهب: تمَنِيّ الموت في عصرنا هذا غير مكروه، بل يجب. كذا سمعت وفي "فنون" ابن عقيل: قال عالم يومًا -يعني نفسه- لكربٍ دخل عليه: يا ليتني لَم أَعِشْ لهذا الزمان فقال متحذلق يدّعي الزهد يريد أن يظهر اعتراضه على أهل العلم: لا تقل هذا وأنت إمام تتمنى على الله تعالى، مَا أرادَهُ اللهُ بِكَ خَيرٌ مما تتمناهُ لنفسك، وهذا اتهام لله. فأجابه: ومِن أين لك لسانٌ ينطق بما لا يكبر على العلماء، كأنك تعلمهم ما لا يعلمون، وتوهم أنك تدرك عليهم ما يجهلون، أليس الله قد حَكَى عن مريم: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: ٢٣]! وقال أبو بكر الصديق: يا ليتني كنت مثلك يا طائر (١). انتهى.

والمراد غيرُ تمني الشهادة، وأما تمنيها فلا خلاف في ذلك، فقد تمناها عمر، كما في البخاريّ (٢)، وفي الحديث: "مَن تمنّاها مخلصًا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء" (٣) والله أعلم.

* * *


(١) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٣٠/ ٣٣٠.
(٢) رواه البخاري (١٨٩٠) كتاب فضائل المدينة.
(٣) رواه مسلم (١٩٠٩) وابن حبان (٣١٩٢) من حديث سهل بن حنيف نحوه.