للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أزال أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم. فقال اللهُ عز وجل: بعزتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفروني" (١).

فلا ريب أنّ حسن الظن بمن خلق فسّوى، وقدّر فهدى، وهو سبحانه وتعالى مستغني عنا، وعن عملنا، وعن تعذيبنا، وعقابنا من أعظم ما نتقربُ به إليه، ومن أجزل ما نتوجه به عليه، وأيّ عبادة أعظم من حسن ظنّنا بربّنا، مع خوف أن يعاملنا بعدله. فالعاقل يكون بين الرّجاء والخوف؛ لكن يغلِّب الرّجاء عند الاحتضار، ويحسن الظّنّ ثَمَّ بالكريم الغفّار، ويستحضر أنه قدم على أكرم الأكرمين، إذْ هُو الكريم الستار. ولذا لمّا قال ذلك الفتى لعمّه، وهو يعنّف فيه، فواللهِ للهُ أرحمُ بي من والدتي، فلما قُبِض الفتى ودفنه عمّه، ثم نظر في قبر الفتى لإصلاح بعض شأنه، فإذا بالقبر قد مُلئَ نُورًا مِن كَرم الله سُبحانه وتعالى، وفُسح لَه مَدّ البصر.

وحكي في الأخبار أن الإمام أحمد رضي الله عنه لمَّا حضرته الوفاة قال لولده عبد الله: ألق عليّ أحاديثَ الرجاء.

واعلم أن للموت سكرات، وأن الأعضاء يُسلمّ بعَضُها على بَعض قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: الآية ١٩] وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} [الأنعَام: الآية ٩٣] وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقِعَة: الآية ٨٣]


(١) رواه أحمد ٣/ ٢٩ و ٣/ ٤١، وأبو يعلى (١٢٧٣) و (١٣٩٩)، والبغوي (١٢٩٣) وهو حسن بمجموع طرقه.