لجميع الخلقِ من إنسٍ، وجن، ووحْش، وطير، والعقول قد ذهلت، وطال مقامهم، واشتد زحامُهم، وسكبت العبرات، وذهبت الأشارات احتاجوا لشفاعةِ سيد العالمِ، وصفوةِ بني آدمَ، وهي الشفاعة الكبرى التي وعده بها أرحم الراحمينَ وهي تعم الخلائقَ أجمعين، وتنقذهم من طُول الوقوفِ، وشدةِ الحر والزحمة في تلك الصفوفِ، ومن الفزع من ذلك اليوم، والقلق، وعظم العطشِ، وكثرة العرقِ، وهي المشارُ إليها في قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء: ٧٩] قاله جماعةٌ من علماء التفسيرِ، بل زَعم الواحدي أنّه قد أجمعَ المفسرونَ على أنه مقام الشفاعة (١)، وثَمَّ نزاع طويل لسنا بصدد بيانه إذا علمت ذلك فقد أخرجَ البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: أُتِيَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بلحم، فرفعَ إليه الذّراع، وكانتْ تعجبه فنهشَ مِنها نهشةً ثمَ قَال: "أنا سيدُ النَّاسِ يومَ القيامةِ، وهل تدرونَ مِم ذاك؟ يجمع اللهُ الأولينَ، والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ فيبصرهم النَّاظر، ويسمعهم الدّاعي، وتَدْنو منهم الشَّمسُ فيبلغ الناس مِن الفم، والكربِ ما لا يطيقون، وما لا يحتملون.
فيقول بعضُ النّاس لبعض: ألا ترون ما أنْتم فِيه، وما بلغكم؟ ألا تنْظرون إلى مَنْ يشفع لكم إلى ربِّكم؟ فيقول بعضُ الناس لبعض: