"إلا أن يتغمدني الله برحمته" أي: فأدخل الجنة بعملي فقلت له: حيث تغمده الله برحمته أي عمل له أدخله الجنة قال: هذا مفهوم الحديث.
قلت: بل المراد لنْ أدخل الجنّة إلا أنْ يتغمدني الله برحمته فيكون الاستثناء راجع لدخولِ الجنّة حسب فتكأكأ الشيخُ حفظه الله تعالى، ولم يبد جوابًا مع عدم ارتضاه لما قلنا.
وأخرج الإمام أحمد، والترمذي عن عائشةَ رَضي اللهُ عَنْها أنّ رجلاً من أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس بين يديه فقالَ: يا رسولَ اللهِ إنّي ليء مملوكين يكذبونني، ويخونونني، ويَعْصونني، وأضْربهم، وأشتمهم فكيْفَ أنا منهم؟ فقالَ لهُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يحُسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم فإنْ كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلًا لكَ، وإنْ كانَ عقابك لهم بقدرِ ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك، وإنْ كان عقابك إياهم فوقَ ذنوبهِم اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قِبَلك" فجعلَ الرّجل يبْكي بين يدي رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويهتف فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك ألا تقرأ كتابَ اللهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (٤٧)} [الأنبياء: ٤٧] " فقال الرجلُ: يا رسولَ الله ما أجد شيئًا خيرا من فراقِ هؤلاء يعني: عبيده أشهدك أنّهم أحرار (١).
(١) رواه أحمد ٦/ ٢٨٠، والترمذي (٣١٦٥)، والبيهقي في الشعب (٨٥٨٦)، ورواية أحمد والبيهقي معها رواية أخرى لصحاب مبهم لنفس الحديث لكن في إسناده أيضًا رجل مبهم آخر، فحديث عائشة أقوى.