قُلْتُ: والحق أنَّه سبحانه يحاسبهم حسابًا حقيقيًا، وتوزن أعمالهم وزنًا حسيًا، ويخلوا البارئ عَزَّ وَجَلَّ بكلِّ عبد مِنْ عبادِه المؤمنين، ويقرره عن أعماله كما نطق بذلك الحديث الصَّحيح، والنص الصريح الثابت عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأي حساب يصدر من الله لعباده حيث جعلتم الحسابَ مجرد خواطر وأوهام وتخيلات تمر بالأفهام؟!
وقد قدمنا أنَّ السماوات والأرض بالنسبة إلى الكْرسي كحلقة ملقاة في فلاة من الأرضِ مع أنّه ينزل البارئ فيضعه حيث شاء مِنَ الأرضِ فهذا العقل قد يرده لعدم تدبره مع أنَّ الحق ما صحَّ به الحديث الثابت، فالذي ندين الله به التسليم لجميع ما صَح عنه - صلى الله عليه وسلم -، [ولنلقى جميع ذلك بالقبول من غير طعن في شيء مما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -](١) ونحمله على حقيقته، ونكل معنى ما أشكلَ مِنْ ذلك إلى اللهِ، وأمَّا هذه التخيلات، أو أنَّ اللهَ سبحانه إذا حاسب واحدًا من خلقه فقد حاسب جميع الناس، والخلائق فالحامل عليه مجرد قصور عقل من لا يُسَلّم للشريعة المطهرة، وأمَّا من سَلّم لها فقد زال عنه الإشكال، واتضح له الحال فهو إذا سمع حديثَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هَش له فرحا، ورقص قلبه له طربا؛ لأنَّه كلامُ طبيبِ القلوبِ المرَضَى - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجَ البزار، والطبراني بإسناد صحيح عن ابن الزبير رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نوقش الحساب
(١) ما بين المعقوفتين ساقط في (أ) واستدركناه من (ب).