للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الخامس: ولأنه من الدين؛ وقد صح في الدين قبول خبر الواحد؛ فهو مقبول في كل مكان، إلا حيث أَمَر الله تعالى بأن لا يقبل إلا عدد سماه لنا (١).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يكتفى في ثبوت هلال شوال بشاهد واحد؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ووضوح دلالته على المطلوب، ولصحة قياسهم.

قال ابن رشد: "ويشبه أن يكون أبو ثور لم ير تعارضا بين حديث ابن عباس وحديث ربعي بن حراش، وذلك: أن الذي في حديث ربعي بن حراش أنه قضى بشهادة اثنين، وفي حديث ابن عباس أنه قضى بشهادة واحد، وذلك مما يدل على جواز الأمرين جميعا، لا أن ذلك تعارض، ولا أن القضاء الأول مختص بالصوم والثاني بالفطر، فإن القول بهذا إنما ينبني على توهم التعارض. وكذلك يشبه ألا يكون تعارض بين حديث عبد الرحمن بن زيد وبين حديث ابن عباس إلا (بدليل الخِطاب) (٢)، وهو ضعيف إذا عارضه النص" (٣).

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول, فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ... »، فيجاب عنه بأن يقال:

أين في الحديث تخصيص هلال شوال بشهادة عدلين؟ ، فالحديث لم يذكر عدد الشهود لا في هلال رمضان ولا في هلال شوال، وإنما ذكر مطلق الرؤية، وأما تعيين عدد الشهود فيستفاد من أدلة أخرى.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث الأعرابيين, وحديث الركب, وحديث القوم الذين شهدوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برؤية هلال شوال, فيجاب عنه:

أنه ليس في هذه الأحاديث اشتراط بأن يكون الشهود اثنين أو ركبا أو قوما، وإنما حصل أن جاء أعرابيان، وحصل أن جاء ركب، وحصل أن جاء قوم، فهي (وقائع أعيان) (٤) لا تفيد أن أقل من ذلك لا يقبل، وإنما كان يستقيم استدلالهم لو أتوا بحديث واحد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) ينظر: المحلى بالآثار ٤/ ٣٧٥، نيل الأوطار ٤/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٢) وهو المفهوم وقد سبق تعريفه صفحة (٩١).
(٣) بداية المجتهد ٢/ ٤٩.
(٤) المراد بوقائع الأعيان: ذكر واقعة عين لشخص مخصوص حكم فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع احتمال الحكم فيها لوجوه عدة. ينظر: مُوسوعة القواعد الفقهيّة ٣/ ١٥٧

<<  <   >  >>