للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما اشتُرِطَ عليه الأكل سرا، حتى لا يراه أحد؛ لأنه إذا أظهر الفطر عَرَّض نفسه للتُهمَة وعقوبة السلطان (١).

الدليل الثاني: ولأنه قد تَيقَّن أن هذا اليوم من شوال، فحَلَّ له الأكل؛ كما لو قامت البينة (٢).

الدليل الثالث: ولأن يقين نفسه أبلغ من الظن الحاصل بالبَيِّنة (٣).

الدليل الرابع: ولأنه لا يجوز له أن يعتقد الصوم، وهو يعلم أنه عليه حرام؛ لأنه يوم العيد عنده (٤).

الدليل الخامس: ولأن العبد إنما يعامل الله بما يعلمه (٥).

فلا يجوز له أن يترك ما يعتقده، ويقلد غيره.

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أنه لا يجوز له الفطر سِرّا؛ لقوة ما استدلوا به؛ ولأن حديث أبي هريرة وأثر عائشة - رضي الله عنهما - بَيَّنا أن الفطر لا يكون إلا مع جماعة المسلمين، و (سَدّا للذريعة) (٦).

وأما أدلة القول الثاني فيجاب عنها بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بحديث صوموا لرؤيته الحديث فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن الخطاب في الحديث ورد بصيغة الجمع، فهو متوجه إلى الأمة بعمومها لا بأفرادها.

الوجه الثاني: أن الصيام والعيد من العبادات التي يراعى فيها الاجتماع كالصلوات المفروضة.

ثانيا: وأما قولهم: إنه يتيقن أنه من شوال، فيجاب عنه:

أن اليقين قد لا يثبت؛ لأنه يحتمل أن يكون الرائي خُيِّل إليه، كما روي أن رجلا في زمن عمر ¢، قال: لقد رأيت الهلال. فقال له: امسح عينك. فمسحها، ثم قال له: تراه؟ قال: لا. قال: لعل شعرة من حاجبك تقوست على عينك، فظننتها هلالا (٧).


(١) ينظر الحاوي ٣/ ٤٤٩، البيان ٣/ ٤٨٥، حلية العلماء ٣/ ١٥٢، المهذب للشيرازي ١/ ٣٣٠.
(٢) ينظر: البيان للعمراني ٣/ ٤٨٥.
(٣) ينظر: المجموع ٦/ ٢٨٠، وشرح عمدة الفقه كتاب الصيام لابن تيمية ١/ ١٥٥.
(٤) ينظر: البيان والتحصيل للجد ٢/ ٣٥١ - ٣٥٢.
(٥) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام لابن تيمية ١/ ١٣٥.
(٦) الذَّرِيعة: هي المسألة التي ظاهرها الإباحة، ويُتوصل بها إلى فعل المحظور. وسَدّها: منع الوسائل المؤدية إلى المفاسد حسما للفساد. ينظر: أصول الفقه الذي لا يسع جهله ص ٢١١. إرشاد الفحول ٢/ ١٩٣.
(٧) ينظر: المغني ٣/ ١٦٧، المبسوط للسرخسي ٣/ ٧٩، والبناية للعيني ٤/ ٢٥.

<<  <   >  >>